ومن الخصائص الّتي يتمّمها الزّواج: القيام على الشّيء، وهو (المسؤوليّة) الّتي يستشعِرها كلّ من الزّوجين في حقّ الآخر، فهو مسئول في الدّنيا والآخرة، كما في الحديث: ((وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)).
لذلك كان سلف هذه الأمّة يَرَوْنَه كمالا لا همّاً، وشرفا لا غمّاً، ففي صحيح البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَتَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً.
ويقصد بذلك النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بدليل رواية الإمام أحمد: تَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَنَا كَانَ أَكْثَرَنَا نِسَاءً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك سُمّي غير المتزوّج عَزَباً، قال ابن الأثير: " وهو البعيد عن النّكاح ".
وذكر ابن الجوزي رحمه الله في " تلبيس إبليس " (ص330) عن الإمام أحمد أنّه قال:" ليس العزوبة من أمر الإسلام في شيء، النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوّج أربع عشرة امرأة، ومات عن تسع .. لو كان بشر بن الحارث تزوّج كان قد تمّ أمره كلّه ... وقد كان النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصبح وما عندهم شيءٌ، وكان يختار النّكاح ويحثّ عليه، وينهى عن التبتّل، فمن رغب عن فعل النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو على غير حقّ، ويعقوب عَلَيْهِ السَّلاَمُ في حزنه قد تزوّج ووُلِد له، والنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ)) " اهـ.
3 - الغاية الثّالثة: تكثير الأمّة وحفظها:
وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ)) [رواه أبو داود عن معقِل بن يسار].
لذلك قدّم كثير من العلماء كتاب " النّكاح " في مؤلّفاتهم على أحكام الجهاد، لأنّ الجهاد-وإن كان من أسباب الحفاظ على حوزة الإسلام والمسلمين- إلاّ أنّ النّكاح هو الّذي تتكاثر به الأمّة الإسلاميّة، وهو الّذي يوجِد الرّجال المجاهدين الّذين يحفظون الدّيار، ويقومون بواجب العبوديّة لله ربّ العالمين، وقد قرّر كثير من أهل العلم - كما في " حاشية ابن عابدين " و" تحفة الفقهاء " (2/ 118) - أنّ " الاشتغال بالنّكاح مع الحفاظ على الفرائض أفضل من التخلّي لنوافل العبادات، لما يشتمل عليه من القيام بمصالحه، وإعفاف النّفس عن الحرام، وتربية الولد، ونحو ذلك ".
وذكر ابن الجوزيّ أيضا عن الإمام أحمد قال:" لو ترك النّاس النّكاح لم يَغزُوا ولم يحجّوا، ولم يكن كذا وكذا ".
4 - الغاية الرّابعة: تحقيق التّرابط بين الأُسر والقبائل:
وبذلك تتحقّق أواصر المحبّة بين المسلمين، وإلى ذلك أشار قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} [الفرقان:54]. فلا ينبغي للمسلم أن يغفُل عن هذا المقصِد فإنّه مهمّ جدّا، لأنّنا نرى كثيرا من إخواننا بعد المصاهرة ينقلبون أعداء لأصهارهم!
5 - أنّه من سنن المرسلين: لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد: من الآية38]، ولذلك حرّم الله تعالى الخِصاء والتبتّل:
أمّا الخِصاء فهو الشق على الأنثيين وانتزاعهما، وقد روى الطّبري رحمه الله عن ابن عبّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنّه سئل عن الخصاء، فكرهه، وقال: " فيه أنزِل قوله تعالى: {ولَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} ".
ومن الخِصاء لدى الفقهاء تعاطِي الأدوية المُذهبة للشّهوة.
أمّا التبتّل: فهو الانقطاع عن النّكاح وما يتبعه من الملاذّ إلى العبادة وهو منهيّ عنه، وهو من الأمور الّتي أحدثها عُبّاد النّصارى كما في قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: من الآية27]، وروى البخاري عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ".
أمّا التبتّل المأمور به في قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} فقد فسّره مجاهد فقال: أخلص له إخلاصا، وهو تفسير معنى، وإلاّ فأصل التبتّل الانقطاع، والمعنى انقطع إليه انقطاعا. ومنه: ومريم البتول لانقطاعها إلى العبادة.
6 - أنّه من إظهار نعمِ الله على العبد: والله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، وممّا يدلّ على أنّه من النّعم، أنّ الله جعل الزّواج من نعيم أهل الجنّة: قال تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان:54]، وقال: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الطّور:20]، وقال: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: من الآية25]، وقال: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس:56]. قال البُلقيني رحمه الله-كما في " مغني المحتاج " (3/ 124) -: " النّكاج شُرِع من عهدِ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ، واستمرّت مشروعيّته، بل هو مستمرّ في الجنّة ".
فهذا ما تيسّر إعداده، ويسّر الله علينا إيراده، وفّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه.
يتبع بإذن الله .. على شكل حلقات
ملاحظة فأصل الموضوع دورة أقيمت في منتديات تبسة الإسلامية ( http://tebessa.forume.biz/montada-f18/topic-t5805.htm) عبارة عن أسئلة وأجوبة