تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مذهب الحنابلة أنها إذا اشترطت ألا تخرج من مدينتها، أو ألا يسافر بها، أو ألا يتزوج عليها، أو ألا تكون عنده زوجة من قبل، أن هذا الشرط صحيح، وخالف هؤلاء جمهور العلماء سلفاً وخلفاً، فقالوا: ليس من حقها هذا الشرط، وإذا وقع هذا الشرط، فإنه شرطٌ باطل، وممن قال بهذا القول: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو راويةٌ أخرى عن عمر بن الخطاب، كانوا يقولون إذا اشترطت فإن هذا الشرط لاغٍ. رُفع إلى عمر بن الخطاب امرأة اشترطت على بعلها، واشترط أهلها ألا تخرج معه، فلما اشترطت هذا الشرط، قال عمر رضي الله عنه: (المرأة مع زوجها) أي: يخرج بها إلى حيث شاء وأثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه، أنه رفعت إليه قضيةٌ في اشترطت امرأةٍ مثل هذا الشرط، فقال رضي الله عنه: (سبق شرط الله شرطها) أي: أن الله عز وجل جعل الرجل قائماً على المرأة، وهذا الشرط جاء تبع، فلا تأثير له؛ لأن الأصل أن تكون تبعاً لبعلها وزوجها، وهكذا بالنسبة إذا اشترطت ألا يتزوج عليها، فإن الله فصّل هذا الأمر، وأحله وأباحه. والذين قالوا: إنه يجب الوفاء بهذا الشرط، وهم أصحاب القول الأول احتجوا بأدلة، أولها: قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج)، قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جعل الشرط في عقد النكاح أحق ما يفي به المسلم، فقال: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج) وهذا قد استحل فرج امرأته بشرط، وهو أن لا يسافر بها، واستحله بشرط ألا يتزوج عليها، واستحله بشرط ألا تكون عنده امرأة، فإذا كان الأمر على خلاف ذلك؛ كان من حق المرأة أن تطالب بفسخ النكاح وتمتنع، وقالوا أيضاً: إن المرأة قد تشترط هذه الشروط، كأن تكون شديدة الغيرة، فتخشى أن تضيع حق بعلها، فمن حقها أن تشترط هذا، ويجب على الزوج أن يفي. والذين قالوا: إن هذا الشرط باطل احتجوا بما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل)، قالوا: إن قوله: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله)، يوجب علينا في الشروط أن نعرضها على شرع الله، فما كان منها يحرم الحلال أو يحل الحرام، فإننا نرده، ولا عبرة به، وهو باطل، فنظرنا فيها وهي تقول: لا تتزوج علي، وأشترط ألا تكون عندك زوجة سابقة، فإذا بها تحرم عليه ما أحل الله، ووجدناه خلاف شرع الله عز وجل، وخلاف دين الله، فانطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل)، كذلك أيضاً وجدناها إذا قالت له: ألا تكون عنده زوجة، فإن الأصل أن الرجل له أن يتزوج قبل هذه المرأة وله أن يتزوج بعدها، وله أن يجمع بين أكثر من واحدة، ما دام في الحد الذي حده الشرع، فإذا جاءت تقول له: بشرط ألا تكون عندك زوجة؛ فقد منعته من زوجته الأولى، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتُكفِئ ما في إنائها)، قالوا: هذا عام، فإذا قلنا بجواز الشرط، فكأنه حينئذٍ سيقدم على تطليق الأولى، وإدخال الثانية، وهذا هو الذي حرمه الله ورسوله، فنحن إذا جئنا ننظر في الشروط، ينبغي أن نتقيد فيها بما ورد في الشرع، فليس في شرع الله تحريم الزوجة الثانية، وليس في شرع الله عز وجل أن يبقى الرجل منحصراً مع زوجته في مكانٍ معين، بل إن الذي في شرع الله حِل ذلك كله وإباحته، وبناءً عليه قالوا: إن هذا الشرط باطل، ونبقى على عموم قوله: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل)، ثم قالوا: أنتم تستدلون بقوله: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط)، قوله: (أحق) يدل على أن الشرط في ذاته حق وليس بباطل، فإذا كان الشرط في ذاته باطل فليس بحقٍ، ولا بأحق، وحينئذٍ يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط)، أي: الذي وافق شرع الله، واتفق مع هدي الإسلام في الزواج، فإذا جاءت المرأة تشترط شيئاً خلاف ذلك، فإنه يُلغى شرطها، ولا يعتد به، وهذا القول هو أولى القولين بالصواب وأنه لا عبرة بمثل هذا الشرط؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قضاء الله أحق وشرط الله أوثق). وعليه نرى أن عموم قوله: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله)، شاملاً لهذه المسألة التي معنا، وليس من حق المرأة أن تشترط ألا تكون هناك سابقة ولا لاحقة، بل إن أصحاب القول الأول يوافقون أصحاب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير