كانت شروطي تتلخص في أن أظهر عزة ديني وأن لا أتواضع لهذا المسلم، ولذا فقد طلبتُ مقابلته يوم الأحد بعد أداء الصلاة الأسبوعية والخروج من الكنيسة!
أتيتُ مكان اللقاء وقد لبست اللباس التقليدي للمتمسكين من النصارى ووضعت على رأسي قبعةً مكتوباً عليها (عيسى هو الرب)، وكنت أحمل إنجيلي في يدي ويتدلى على عنقي صليبٌ كبيرٌ لامعٌ، وكان معي زوجتي وأطفالي وهم قد استعدوا للقاء.
دخلت المكان وسألت عن هذا المسلم، فأشار أبي إليه، فتعجبت وقلت:
لا يمكن أن يكون هذا مسلماً.
كنت توقعت أنه رجل ضخم عليه ثيابٌ تتدلى وعمامةٌ كبيرة على رأسه.
في الواقع كان الرجل أنيقاً مهذباً ودوداً جداً .. رحَّب بي وصافحني بحرارة فازداد عجبي لأنني كنت أسمع أن المسلمين أرهابيين قتلة!!
تجاهلت كل شئ وأردت أن أعمل على هداية هذا الرجل للنصرانية فهو بحاجة إلى من ينقذه، وأنا والرب سنعمل على ذلك (تعالى الله عن قوله).
وبعد مقدمةٍ يسيرةٍ سألتُه:
هل تؤمن بالرب؟
قال: نعم.
قلت: هل تؤمن بآدم وحواء؟
قال: نعم.
قلت: وماذا عن إبراهيم، هل تؤمن به وبتضحيته بولده من أجل الرب؟
قال: نعم.
وسألته عن الأنبياء: موسى وداود وسليمان ويونس، هل يؤمن بهم؟
قال: نعم.
عندها سألته عن الإنجيل، هل يؤمن به؟
قال: نعم.
وهنا جاء الدور الأهم: هل تؤمن بعيسى على أنه مسيح الله؟
قال: نعم، فقلت في نفسي:
هداية هذا الرجل أسهلُ مما تصورت، وسيكون نصراً عظيماً لي أن أُدخل مسلماً في النصرانية.
ذهبنا لتناول الشاي وتحدثنا ساعاتٍ علمتُ خلالها أنه رجلٌ لطيفٌ هادئٌ وخجولٌ لم يقاطعني أبداً ولو لمرة واحدة، فأعجبتني طريقته وأحببت الحديث معه.
أتيتُ والدي وأخبرته بموقفي من الرجل وأنه لا مانع عندي من التعامل معه فاتفقنا على ذلك وكان عملنا يقتضي أن نسافر معاً كثيراً.
يوماً بعد يوم كنا نسافر سوياً على السيارة من ولاية إلى ولاية ونتناقش في موضوعاتٍ مختلفة ولكنها كلَّها كانت حول المعتقدات التي يؤمن بها الناس، وكنت إذا ركبت السيارة أحيانا أجعله يستمع إلى برامجي الإذاعية التي سُجِّلت حول العبادة والصلاة.
وفي يوم من الأيام علمت أنه (أي محمد) سوف ينتقل من بيته الذي يسكنه إلى بيت آخر وأنه في فترة الانتقال سيضطر إلى الإقامة في المسجد لبضعة أيام.
عندها سألت والدي أن يأذن لمحمد أن يعيش معنا في بيتنا الكبير ليكون قريباً معنا في العمل وليشاركنا في تحمل بعض نفقات البيت فوافق أبي على ذلك.
سكن محمدٌ معنا وتوطدت العلاقة به وزادت معرفتي بالإسلام أكثر وأكثر.
في ذات يوم كنتُ في زيارة لأحد المستشفيات لأمارس عملي المعتاد:
واعظا دينيا وجدتُ رجلاً مريضاً كان على كرسي متحرك، وكان يتضح من حاله أنه يعيش حالةً صحيةً ونفسيةً سيئةً جداً.
اقتربتُ منه وسألته عن اسمه فقال: هذا لا يخصك!
فسألته عن بلده فقال: من كوكب المريخ!
علمت أن الرجلَ وحيدٌ ومحبطٌ ويحتاج إلى من يراعي حالته الصحية والنفسية.
جلست إلى جواره وحدثته عن الرب وقرأت له من كتاب يونس في العهد القديم، وأخبرته بقصة يونس وكيف غرق في البحر حتى التقمه الحوت ثم خرج بعد ثلاثة أيام بمعجزة الرب.
وذكرتُ له أن الإنسان لا يمكن أن يهرب من مشكلاته، وحاولت أن أهدئ من أزمته.
يبدو أن هذا الكلام قد أثر في الرجل فنظر إلي واعتذر، وقال:
أنا آسفٌ لسوء ردي عليك، ثم أخبرني بأنه يعيش مشكلات عصيبة، ثم قال لي إنه يريد أن يعترف لي بذنوبه، فقلت:
لا .. لا .. أنا لا أستطيع أن أتولى الاعترافات فأنا لست قساً كاثوليكياً.
فقال: أعلم أنك لا تستطيع ذلك.
ثم فاجأني عندما أخبرني بأنه هو نفسه قسٌ كاثوليكي!!
خجِلت من تصرفي فقد كنت أريد أن أدعو قساً كاثوليكيا إلى النصرانية!!
ثم أخبرني القسُ بشئٍ من أخباره وأنه عمل سنواتٍ مبشراً في جنوب ووسط أمريكا والمكسيك.
وعند خروجه من المستشفى كان بحاجة لمكان للنقاهة، وبدلاً من تركه يذهب للبقاء مع عائلة كاثوليكية أخبرت والدي أنه يجب علينا دعوته ليأتي للعيش معنا في الريف برفقة عائلتنا ومعنا شريكنا محمد، واتفق الجميع على ذلك، فانتقل مباشرة للعيش معنا.
¥