تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال لي: أخبار الآحاد في الصفات اغسلها، وهي عندي والتراب سواء، ولا أقول منها إلاّ بما قام في العقل تصديقه.

قلت له: فَلِمَ أتعبت نفسك في كتبها، وسعيت إلى الشيوخ فيها، وأنصبت نفسك وأتعبتها، وأسهرت ليلك بما لا تدين الله عزوجل به، ولا تزداد به عِلْمًا؟.فأجابني بأن قال: كتبته حتى أُتَمِّمَ به الأبواب، إذا أردتُ تخريجها.

فقلت له: تخرج للمسلمين ما لا تدين به؟ فقال: نعم، لأعرفه.

فقلت له: تعني المسلمين على قود مقالتك، والحق في غير ما ذكرت؟.ثم قلت له: خرقت الإجماع، لأنَّ الأمَّة بأسرها اتفقت على نقلها، ولم يكن نقل ذلك عبثا ولا لعباً، ولو كان نقلهم لها كترك نقلهم لها، لكانوا عابثين، وحاشا لله من ذلك، ومن كانت هذه مقالته فقد دخل تحت الوعيد في قوله عزوجل: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

ولما كانت أخبار الآحاد في الصفات لا توجب عملاً، دلّ على أنها موجبة للعلم، فسقط بهذا ما ادعاه من لم ينتفع بعلمه، ويتهجّم على إسقاط كلام الرسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه، برأيه وظنّه.

ثم ذكرت حساب الكفار، فقال لي: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الكافر ليحاسب حتى يقول: أرحني حتى ولو إلى النار)) (ضعفه الألباني فيسلسلة الضعيفة)، فهلا قلت به؟.

فقلت له: ليس يحل ما روي صحيحا أو سقيما أن نقول به، وإنما تعبدنا بالصحيح دون السقيم، والصحيح معلوم عند أهل النقل بعدالة ناقليه متصلاً إلى المخبر عنه، والسقيم معلوم بجرح ناقليه، وهذا الخبر الذي رويته، رواه إبراهيم بن مهاجر بن مسمار ـ يعني وهو متروك الحديث ضعيف عند أهل العلم ـ وليس مثل هذا مما تقوم به الحجة.

فقال لي: فأي شيء معك في أنهم لا يحاسبون؟.

فقلت له: إن شئت من كتاب الله، وإن شئت من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شئت من قول صحابته رضى الله عنهم.

فقال لي منكرا لقولي في الصحابة: من قال هذا؟.

فقلت: نعم، قرأت على أبي عيسى يحيى بن محمد بن سهل الخصيب العكبري ـ بعكبرا ـ قال: حدثنا محمد بن صالح بن ذريح العكبري، قال: حدثنا محمد بن هناد ابن السري قال: حدثنا معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((من حوسب دخل الجنة) يقول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا. وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}، ويقول للآخرين ـ يعني الكفار ـ {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ.فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ.

.يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}.

فقال لي: قد سمعت هذا الحديث من أبي علي الصواف قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو الحسين عبد الوهاب الورّاق عن أبي معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، بمثل معناه يعني ((من حوسب دخل الجنة)) فقال لي: هو المسلم المحترم.

فقلت له: جمعت بين ما فرّق الله عزوجل، لأنّ الله عزوجل يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ.مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}، قال أبو إسحاق: وكان عندنا أن أبا سليمان يقول: إنّ الكافر والمؤمن يحاسبان،.فعلى قوله: إنّ المؤمن لا يحاسب، وإنّ الكافر يحاسب، وهذه عصبية للكافر، خرج بها عن جملة أهل العلم.

قلت له: أنت تتكلم على المسلمين، فتحشو أسماعهم بكلام الكلبي الكذّاب، فيما يخبر عن مراد الله تعالى عن الأمم الخالية، التي لم يشاهدها، فلا يكون عندك هذيان، ثم تجيء إلى مثل حديث إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله ـ حديث الخبر ـ فتقول: هذا هذيان، وهذا قول مَن تقلّده، خرج عندي من الدين، وسلك غير طريق المسلمين.

وهذا ما جرى بيننا إلاّ ما أخللت به، فلم أتيقن حفظه، والله سبحانه الموفق لإدراك الصواب. [طبقات الحنابلة:2/ 128 - 138].

ـ[أبو صهيب عدلان الجزائري]ــــــــ[27 - 02 - 10, 09:47 ص]ـ

بارك الله فيك على هذا النقل

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير