1 – منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس له همة في الوصول إليها ويصدق عليه قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
2 – ومنهم من لا يطلب إلا سفاسف الأمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها، وهذا –إن اهتدى– يكون سباقاً للخيرات: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
3 – وفريق ساقط الهمة يهوى سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع وهو كمن وصف الشاعر:
إني رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم يوما ... في مجلس أنتم به فتقنعوا (6)
4 – وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله فهنيئاً له ومن أمثالهم الأسلمي وعكاشة بن محصن وبين كل مرتبتين مراتب كثيرة تتفاوت فيها الناس تفاوتاً بينا.
وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم العالية.
ومن أمثلتهم في القديم:
1 – ربيعة بن كعب الأسلمي الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل" فقال: أسألك مرافقتك في الجنة ... (7).
2 – عكاشة بن محصن بادر فقال: "ادع الله أن يجعلني منهم ... ".
3 – أبو بكر الذي قال: "ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها، قال نعم وأرجوا أن يكون منهم ... ".
4 – أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "ألا تسألنِ من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله فنَزع نَمِرَةً كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى نمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني" (8).
5 – قصة ابن عباس مع صاحبه الأنصاري الذي طلب منه ابن عباس أن يرافقه في جمع العلم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن حسن في كتابه الهمة طريقك إلى القمة ص 21 – 22: "وترى اليوم من تفاوت الهمم أمراً عجباً، ... فإذا اطلع المرء على أحوال الخاصة من المسلمين وهم طلاب العلم والدعاة وباقي الملتزمين بشرع الله الحريصين عليه سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمم ... فمنهم من إذا اطلع ساعة أو ساعتين في اليوم ظن أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل ومنهم من إذا خرج لزيارة فلان من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه من حق يومه، ومنهم من تتغلب عليه زوجه وعياله فيقطع عامة وقته في مرضاتهم، ومنهم من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الأشرطة، وحضور محاضرة أو اثنتين في الأسبوع أو الشهر، ومنهم من غلب عليه الركون إلى الدنيا والتمتع بمباحاتها تمتعاً يفضي به إلى نسينا المعاني العلية، ومنهم من يقضي عامة وقته متشبعاً لقطات إخوانه ومطلعاً على ما يزيد علمه رسوخاً في هذا المجال ... ولا أزعم أن جمهور الصحوة قد فاتهم أن يكونوا ممن يجمع الشمل ويقصر الاعتذار والشكاية ويصبح نموذجاً يحتذى به، ولكن أقول جازماً بأنهم – إلا القليل – لم يستثمروا هممهم حق الاستثمار، ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم حق الارتقاء".
ومن أمثلة هذا الرهط القليل حسن البناء الذي سأله مدرسه عن أعجب بيت قالته العرب إليه فقال قول طرفة:
إذا القوم قالوا: من فَتىً؟ خِلْتُ أنني ... عُنِيتُ فَلَمْ أكْسَلْ ولم أتَبَلَّدِ
وأوى ليلة إلى فراشه بعد نصب شديد فأخذ ورقة وقلما وجعل يكتب مقالاً ينشره في الجريدة فدخل عليه أحد المقربين منه المشفقين عليه فوعظه في نفسه فرد عليه في ذلك أجمل رد.
وهذا الشيخ ابن باز قضى خمسين سنة من عمره الوظيفي لم يتمتع بإجازة، وذلك الشيخ: غلال الفاسي يقول:
أبعد بلوغي خمس عشرة ألعب ... وألهو مع اللاهين حولي وأطرب
ولي نظر عالٍ ونفس أبية ... مقاماً على هَامِ المَجَرَّةِ تَطْلُبُ
ثمرات الهمة العالية:
(1) تحقيق كثير من الأمور التي يعدها عامة الناس خيالاً يتحقق ومن أمثلة ذلك بناء أمة مؤمنة في الجزيرة العربية التي يشيع فيها الجهل والشرك وذلك في فترة وجيزة، وابن ياسين استطاع أن يقود بعصابة قليلة من أصحابه المربِّيين دولة انتصرت على جيوش الأسبان بعد استشهاده، والإمام حسن البنا نادى في أمته الميتة بأمور اعتبرت من الخيالات وهو القائل: "أحلام الأمس حقائق اليوم وأحلام اليوم حقائق الغد" (9).
¥