تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حماية المواهب .. محمد بوسلامة]

ـ[العاصمي الجزائري]ــــــــ[06 - 03 - 10, 01:25 م]ـ

جاء في مجلة الإصلاح العدد الحادي عشر رمضان/شوال 1429 الموافق ل3 ديسمبر / أكتوبر 2008 ص 90 وما بعدها هذا الموضوع المهم حول حماية المواهب ورعايتها وتعاهد الأجيال وربايتها وهو بعنوان (حماية المواهب) للأديب الجزائري محمد بوسلامة فلتتفضلّوه مشكورين ..

حماية المواهب

قال محمد بن علي:

مررت بعصبة من الولدان يتحادثون وقد أخذتني الشواغل عن حديثهم فلم يكونوا منّي على بال إلى أن فرطت من أحدهم كلمة إلى سمعي فوقعت منّي موقعا حسنا فقلت لقائلها: لافضّ فوك إنّك لذكيّ لو أنّهم عرفوك وإنّك لسيّد أصحابك لو أنصفوك ثمّ صرت أسترق الكلمة والكلمتين إلى أن صار حديثهم عندي ذا بال وإنّه لحقيق بإصغاء الرجال فذهب فيهم الفكر كلّ مذهب وجال ثمّ شغلت بهم بيد أنّ المشغول لا يشغل ثمّ عنّ لهم أن ينصرفوا فانصرفوا وقد أسالوا للذهن سيوله وطوّلوا للمقال ذيوله وتركوني أرقم لحديثهم رقيمه إذ صار عندي رفيع القيمه وذلك في زمن غلا فيه الخسيس ورخص فيه النفيس إنّ هؤلاء الولدان سيكبرون والله أعلم إلى ما هم صائرون إلاّ أنّ الطريق مظلم والسبيل مخوف والنجاة دونها مهالك وحتوف وما أعلق هذه الصوره بقول ابن دريد في المقصوره:

لا تعجبن من هالك كيف هوى ..... بل فاعجبن من سالم كيف نجا

لقد لمعت منهم لوامع النبوغ وهم دون البلوغ وسطعت لهم سواطع المواهب وتوقدت لها فيهم الملاهب إلاّ أنّ لهب المواهب كلهب النار إذا لم تمدّ بوقودها خمدت وصارت رمادا تذروه الريّاح ريّاح خبث منها الهواء واغبرت الأجواء فإلى أين ايها الصبيان أنتم ذاهبون ألملاعب تلعب بعقولكم أم إلى طرقات تشعّبت بكم مسالكها وتزينت لكم مهالكها فلا تردون منها إلاّ على مقابح ولا تسمعون فيها إلاّ صوت نابح أم إلى مدارس تبلّد عقل الذكي وتبدد ذهن الغبي أم إلى بيوت هيّأت لكم صحونا تأكون فيها وصحونا تؤكلون فيها بل يؤكل فيها أهل الدار جميعا بقد آضت .... 1 البيوت اليوم مآوي يأوي إليها الأولاد ليستريحوا من عناء اليوم كما تأوي القطعان إلى أفياء الجدر فينامون ويأكلون ويشربون هذا لأجسادهم أمّا عقولهم فقد انبرى لها قوم آخرون إذ هم اليوم أقدر على الولد من والديه وأملك لأمره فهم الذين يهودونه أو يمجسونه أو ينصّرونه أو يمسخونه فهم بالأولاد أظفر وحظهم في نشأتهم أوفر ثمّ إنّني قد سرّحت الفكر في قوله –عليه الصلاة والسلام -: (كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه) فألفيته مشتملا على إشارات بديعة توميء إلى البعيد بالقريب وتجود على المتأملين بأوفى نصيب وذلك أنّ الحديث لم يأت لحصر وجوه الزيغ فيما ذكر فإنّه قد يحيد به عن الاسلام غير ابويه وقد يكون ذلك الزيغ إلى غير الأديان المذكورة وقد لا يكون الميل عن فطرته الدينية وإنما يكون عطية نفسية وهبة عقلية كما قد يكون المحيد عن سبيل السنة إلى غيرها من سبل الباطل وليس جيد الحديث عمّا ذكرنا بعاطل وإنما خصّ الوالدين بالذكر لكون تربيته على أيديهما في الغالب وفيه إشارة إلى أن فساد الأولاد من فساد المربين فرمز بالوالدين إلى كل مرب وخصّ الأديان الثلاثة بالذكر لشهرتها عند العرب ورمز بها إلى كل ملل الكفر كما أشار بالزيغ غلى كل زيغ من حسن إلى قبيح إلاّ أنّ المذكور في الحديث هو أقبح أنواع الزيغ وأومأ على طريقة القياس الجلي إلى أنّ المواهب النفسية التي هي منح إلهية قد يقتلعها منشأ السوء وبيانه أن يقال: إذا كان الولد قد تميل به نشأة السوء عن فطرة التوحيد التي هي الصق به من ذراعه وراسه فكيف بغيرها من سائر المواهب المفطور عليها فكان في هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى فكأنّ الذي أوتي جوامع الكلم –عليه الصلاة والسلام- يقول لنا: كلّ خير يولد عليه الانسان أو وصف حميد يكون عليه قد تذهب به نشأة السوء فاحسنوا نشأته ولنا مثل هذا في الأحاديث النبوية شيء كثير ولا أدري ما قول السادة الفقهاء فيا ذكرته غير انّي قد حاولت طرائقهم في اعتبار الإيماء والتلويح واقتناص المعاني ولم يك هذا منّي بالقول المرجّم ولو فرغ لهذا رجل من أهل الشريعة لاستخرج له أصولا وجعل له فصولا وما أحوج هذه المعاني إلى جهبذ يسلك فيها مسالك التأسيس على طريقة الامام ابن باديس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير