وإذا كان المالكية وغيرهم من العلماء الذين سبقت الإشارة إليهم، يرون أن الكفاءة معتبرة بالاستقامة والصلاح لا غير –فإن غير هؤلاء من الفقهاء يرون أن الكفاءة معتبرة بالاستقامة والصلاح وأن الفاسق ليس كفوءًا للعفيفة- إلا أنهم لا يقصرون الكفاءة على ذلك، بل يرون أن ثمة أمورًا أخرى لا بد من اعتبارها.
ونحن نشير إلى هذه الأمور فيما يأتي:
أولاً: النسب:
فالعرب بعضهم أكفاء لبعض، وقريش بعضهم أكفاء لبعض .. فالأعجمي لا يكون كفؤًا للعربية، والعربي لا يكون كفؤًا للقرشية. ودليل ذلك.
1 - ما رواه الحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العرب أكفاء بعضهم لبعض، قبيلة لقبيل، وحي لحي، ورجل لرجل، إلا حائكًا أو حجامًا".
2 - وروي البزار عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العرب بعضهم لبعض أكفاء، والموالي بعضهم أكفاء بعض".
3 - وعن عمر قال: "لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء". رواه الدارقطني.
وحديث ابن عمر سأل عنه ابن أبي حاتم أباه فقال: هذا كذب لا أصل له.
وقال الدارقطني في العلل: لا يصح.
قال ابن عبد البر: هذا منكر موضوع.
وأما حديث معاذ، ففيه سليمان بن أبي الجون. قال بن القطان: لا يعرف .. ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ، ولم يسمع منه ..
والصحيح أنه لم يثبت في اعتبار الكفاءة والنسب من حديث.
ولم يختلف الشافعية، ولا الحنفية في اعتبار الكفاءة بالنسب على هذا النحو المذكور .. ولكنهم اختلفوا في التفاضل بين القرشيين. فالأحناف يرون أن القرشي كفء للهاشمية.
أما الشافعية فإن الصحيح من مذهبهم أن القرشي ليس كفؤًا للهاشمية والمطلبية .. واستدلوا لذلك بما رواه وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل" واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم .. فأنا خيار من خيار، من خيار" رواه مسلم.
قال الحافظ في الفتح:
والصحيح تقديم بني هاشم، والمطلب على غيرهم .. ومن عدا هؤلاء أكفاء لبعض.
والحق خلاف ذلك. فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان بن عفان، وزوج أبا العاص بن الربيع زينب. وهما من عبد شمس .. وزوج علي عمر ابنته، أم كلثوم، وعمر عدوي.
على أن شرف العلم دونه كل نسب، وكل شرف. فالعالم كفء لأي امرأة. مهما كان نسبها، وإن لم يكن له نسب معروف، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن، كمعادن الذهب والفضة. خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا". وقول الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة/11]. وقوله عز وجل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر/9]
هذا بالنسبة للعرب، وأما غيرهم من الأعاجم فقيل: "لا كفاء بينهم بالنسب" ..
وروي عن الشافعي وأكثر أصحابه أن الكفاءة معتبرة في أنسابهم فيما بينهم قياسًا على العرب، ولأنهم يعيرون إذا تزوجت واحدة منهم زوجًا دونها نسبًا، فيكون حكمهم حكم العرب لاتحاد العلة.
ثانيًا: الحرية:
فالعبد ليس بكفء للحرة، ولا العتيق كفؤًا لحرة الأصل، ولا من مس الرق أحد آبائه كفؤًا لمن لم يمسها رق، ولا أحدًا من آبائها، لأن الحرة يلحقها العار بكونها تحت عبد، أو تحت من سبق من كان في آبائه مسترق.
ثالثًا: الإسلام: أي التكافؤ في إسلام الأصول. وهو معتبر في غير العرب .. أما العرب فلا يعتبر فيهم؛ لأنهم اكتفوا بالتفاخر بأنسابهم، ولا يتفاخرون بإسلام أصولهم.
وأما غير العرب من الموالي والأعاجم، فيتفاخرون بإسلام الأصول .. وعلى هذا إذا كانت المرأة المسلمة لها أب وأجداد مسلمون، فإنه لا يكافئها المسلم الذي ليس له في الإسلام أب ولا جد .. ومن لها أب واحد في الإسلام يكافئها من له أب واحد فيه .. ومن له أب وجد في الإسلام فهو كفء لمن لها أب وأجداد، لأن تعريف المرء يتم بأبيه وجده، فلا يلتفت إلى ما زاد.
ورأى أبي يوسف أن من له أب واحد في الإسلام كفء لمن لها آباء، لأن التعريف عنده يكون كاملاً بذكر الأب، أما أبو حنيفة ومحمد فلا يكون التعريف عندهما كاملاً إلا بالأب والجد.
رابعًا: الحرفة:
¥