تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالجواب: أن العبرة بالصحة والثبوت، دون الشهرة والذيوع!

وكم اشتهر جماعة من أفاضل الناس بأفاعيل وأعمال موبقة، وحالهم منها كحال الذئب من دم ابن يعقوب؟!

ومَنْ طلب هذا الأمر في المتقدمين واللاحقين وجده بكثرة غامرة، ولا ينخدع بمثل تلك المؤتفكات في حق هؤلاء الأفاضل إلا من يبغي للبرآء العيب!

فإن قيل: وما يضرُّ عبدَ الرحمن القس إن صحَّ ذلك عنه؟! مع عفافه وورعه وتقواه ورهبته من الله، وفراره مما يغضب خالقه كما فعل مع سلامة حين خلا له الاجتماع بها في ذينك الحكايتين السابقتين؟

والجواب أن نقول: أين ذلك العفاف في عشق امرأة أجنبية لا تحل له؟!

وأين تلك التقوى في هذه الأشعار الفاضحة لقائلها بخط عريض!؟

وهب أن الرجل قد شُغِف بحب تلك (السلامة)! - وحاشاه الله من ذلك - ألا كان يستطيع أن يتزوجها أو يتخذها مِلْكًا ليمينه؟!

وهل يرضى عاقل أن يصبح حديث القوم في أقاصيص الحب والغرام؟!

فكيف بهذا الإمام الشريف العفيف رغم أنوف الجانين عليه بما لم يقترفه!

ومن الغريب أن يكون الحافظ الذهبي - مع حذقه وانتقاده - ممن ينخدع بمثل تلك الأخبار الفاسدة في حق الرجل!

فتراه يقول عن الإمام القس في ترجمته من كتابه الكاشف: (مشهور بالقس لعبادته، وشغفه بسلامة شائعٌ مع عفة؟).

وأقول: أيُّ عفة تلك مع فضيحة بين الناس صنعتْها له تلك الأشعار والمشاهد الغرامية مع معشوقته؟! وكأن الذهبي ما وقف على تفاصيل تلك العفة في كتب الأدب والتواريخ عامة، وكتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، (وطبقات المغَنِّيين) لأبي الفرج ابن الجوزي، و (أخبار مكة) للفاكهي، وغيرها خاصة؟!

وإنما العفيف حقا: هو من إذا ابْتُلِيَ بشيء من تلك الأدواء، جعل يدافعها ويستغفر الله مما طرف إليه طرفه، وزاغ له بصره، من النظر فيما لا يحل له، فضلا عن التعلق والشغف بما حرمه الله عليه.

وكيف يكون عفيفًا مَنْ أطلق لنظره العنان في تأمل محاسن من أمره الله بالتنكب عن النظر إليه ابتداءًا؟! فضلا عن الاسترسال في تعمق النظر لاستيعاب شمائل المنظور إليه؟

وكيف يكون عفيفًا مَنْ جعل يرخي لجام الاستماع إلى الألحان الخانعة بالأشعار الباعثة على تهييج حرارة شهوات القلوب الساكنة؟!

تابع البقية: ....

ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[15 - 03 - 10, 09:57 م]ـ

وكل ما في الأمر: أن الإمام القس ربما كان قد نوى الاجتماع بسلامة تلك عن طريق السبل المشروعة من نكاح وغيره، فلعله أسرَّ بذلك إلى رجل مريض القلب والدين! وكان هذا الرجل قد علم من القس شدة تقشفه وبالغ زهده وورعه، وعزوفه عن شهوات النفس ورغباتها، مع جميل تعففه عن النظر لما في أيدي الناس حتى لقبوه بـ (القس).

فرأى هذا الرجل المفتون- بمساعدة غيره له- نفْسَه تميل إلى نسج أساطير وأباطيل - لموافقة هذا لطريقته في الزيغ والانحراف - حول سيرة هذا الإمام الطاهر، فراح يذيع بين الناس والدهماء من أهل مكة وما حولها تلك الأكذوبات المسبوكة حول عشق القس بـ (سلامة) مع ورعه وزهده وعبادته! فسمع تلك الأخبار جماعة ممن في قلوبهم مرض؟! فجعلوا يتزيَّدون على ما سمعوه كتزيُّد الشياطين في الأخبار على من يسترقون السمع لأجلهم لكي يسقطونهم بها في شباك مصائدهم!

بل ذهب بعضهم إلى توليد الأشعار المختلقة على ألسنة العاشقين ونسبتها إلى الإمام القس! ومن ذلك قوله - زعموا - لمَّا عاتبه بعضهم في شغفه بسلامة:

قالوا أحب القسُّ سلامة ... وهو التقي الورع الطاهر!

كأنما لم يدر طعم الهوى ... والحب إلا الفاسق الفاجر!

يا قوم لي كبد تهفو كأكبادكم ... وفؤاد مثلكم شاعر!

والناس يعجبهم الباطل من الأخبار في حق الأطهار! فجعلوا يتناقلون هذا بينهم حتى تقبَّله منهم بعض الفضلاء - أمثال الزبير بن بكار وخلاد بن يزيد وشيوخهما في تلك الحكايات - فوقعوا في أُحْبُولة تخليد تلك الأكاذيب مع مشاركة العامة في التشنيع بها - قصدوا أولم يقصدوا - على هذا الإمام الفاضل القدوة النبيل. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وقد صار عرض هذا الإمام الطاهر العابد ملعبة في أيدي السفهاء وقليلي الحياء ممن ذهبت خشية الله من قلوبهم في كل زمان!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير