تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إناء التوكل؟]

ـ[ابن فرات]ــــــــ[23 - 03 - 10, 03:31 ص]ـ

نشاهد كل صباح كيف تغادر الطيور أعشاشها، غادية تنشد أرزاقها وهي آمنة مطمئنة على أنْ سعيها في ذلك لن يخيب، وإنَّ المرء ليعجب أشد العجب من طيور بلا عقول كيف تبذل الأسباب وتبهجها النتائج، ومن أُناسٍ رُزِقوا العقول وتسخطوا من سوء النتائج وهم لم يبادروا بأية سبب!

إنَّ الإنسان الذي يُحسن أنْ يغمس قلبه في إناء التوكل كل صباح مثلما تفعل الطيور، لحريٌ بأنْ تلازم السكينة قلبه ويخالط الإطمئنان روحه، لأنه على عَلِمٍ أنَّ ما كُتِب له سوف يأتيه لا محالة، ولكن عليه أولاً أنْ يسعى وليس عليه إدراك النجاح!

فهناك إذن فرق بين التوكل والتواكل، كما قال عمر بن الخطاب لقوم من اليمن رآهم يتكففون الناس في الحج فسألهم من أنتم؟

فقالوا نحن المتوكلون!

فقال: كذبتم، بل أنتم المتواكلون، المتوكل مَن ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله.

فالتوكل هو بذل الأسباب الموجبة للمصلحة والتوكل على الله عز وجل في إدراك هذه الغاية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: يارسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟

قال: {أعقلها وتوكل} رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: {لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً (أي جياعاً)، وتروح بطاناً (أي شباعاً)}. رواه أحمد والترمذي.

أما الثاني فهو عدم بذل الأسباب وادِّعاء التوكل على الله عز وجل ولذلك عده أهل العلم من السفه، فأنَّ الطير لم تجلس في وكناتها تنتظر الرزق ولكنها بذلت الأسباب فعادت بالنتائج.

وليُعلم أنَّ حقيقة التوكل أعم من التوكل في جلب مصالح الدنيا، فيدخل فيه الكثير من أعمال القلوب الأخرى كالإستعانة على الطاعة كما قال ابن القيم ودليلها من كتاب الله {إياك نعبد وإياك نستعين} وغيرها من الأعمال القلبية التي هي في الأصل عبادة، فلا يجوز أن نقول مثلاً: توكلت على الله وعليك، ولا أن نقول أيضاً توكلت على الله ثم عليك، حتى لو كان قائلها يقصد التوكيل والإنابة عنه، لأن التوكل عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، فهي كلمة وردت في حق الله تعالى، قال الله عز وجل: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} وقال: {وعلى الله فتوكلوا}.

وهناك فرق بين التوكل والإعتماد الذي هو في الحقيقة الثقة كأن نقول لمن وثقنا به: أعتمد على الله ثم عليك في إنجاز هذا العمل، فهذا جائز أما التوكل فلا يجوز.

ومما حُكيَ في التوكل في جلب الرزق، ما ذُكِرَ أنَّ عروة بن الأذينة الشاعر سافر إلى دمشق للقاء الخليفة هشام بن عبدالملك، وعندما دخل عليه سلم واشتكى ديناً، فقال هشام: ألست القائل ..

لقد علِمتُ ومالإشرافُ من خُلُقي .. أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى إليهِ فيُعْييني تطلبُهُ .. ولو قعدتُ أتاني لا يُعنَّيني

ثمَّ جِئْتَ تطلب، فهلّا قعدتَ في بيتِك ما دمتَ تقول ذلك؟

فقال عروة: وعظتَ يا أمير المؤمنين فأبلغت.

ثمَّ قفل راجعاً إلى المدينة، وعند حلول المساء ندِمَ الخليفة هشام على فعله وقال في نفسه: شاعر تجشَّمَ عناء السفر لحسن ظنه بنا أفأرده صفر اليدين؟

فأمر بإحضاره ولكن قيل له أنه ارتحل من حينه، ولم يكن قد علم بعودته، فبعث في أثره رسولاً بألفيْ دينار لعله يدركه في الطريق، ولكن الرسول لم يدركه إلّا بعد أنْ دخل بيته منذ قليل.

فطرق الباب وعندما فتح عروة، قال له: أنا رسول أمير المؤمنين، بعثني بألفيْ دينارٍ لعلي أن أدركك في الطريق.

عندها قال عروة: قل لأمير المؤمنين الأمر على ما قلت، قد سعيتُ إليه فأعياني، و قعدتُ فأتاني!

ولكن عروة قد بذل السبب أيضاً، لأنه لو لم يذهب للخليفة في دمشق لم يأتهِ رسوله في المدينة بألفيْ دينار!

وهذا بابٌ يحتاج إلى نظر دقيق، أسأل الله أن يرزقنا حُسن التوكل وصدق اليقين ...

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير