تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[محن الذات]

ـ[ذو المعالي]ــــــــ[18 - 04 - 10, 07:29 م]ـ

تُصاب الذاتُ و تُمتحنُ كثيراً ليبين الصحيح من السقيم، و يبدو الطيبُ ممتازا عن الخبيث، و ليظهر الشيءُ كما هو، و لولا المحن ما بان صدق الذات من كذبها، و لا ثبتت براهين الدعاوي.

محن الذات كثيرة، و في كل شيءٍ في الوجود محنةٌ للذات، فالله ما خلقَ الخلقَ إلا ليمتحنهم فيثبتهم كما هي حقيقتهم، و الحقائق ليست سواء.

حين يُدرك المرءُ منا أنه يعيشُ في حالةٍ تتكالبُ عليه من كل صوبٍ مِحنٌ فإنه سيكون متيقظاً منتبهاً، فيكون مستعداً لتلك المحن ليُبدي أفضل ما لديه ليكون الناتج و الثمرُ جميلا طيباً، لكن هذا لا يمكن أن يكون لأي أحد، و إنما يكون فقط لمن أيقن و آمنَ أنه عُرضةٌ للامتحان، و أما من اعتقد أنه ليس عُرضة للامتحان، و مثلُه لا يُسأل فهذا أخفقَ في أول امتحان، ومن أقعده الله لا يُنهضه أحد.

محن الذات قد تكون مباشرة، و قد لا تكون إلا من وراءِ حجاب، و لا يَعرفُها إلا بقظان القلب، فتأتيه متزينة في صورة جميلة، تسحر الألباب، و تُسكر القلوبَ، و تموُّه له الأمورَ حتى يراها على غير ما هي عليه، فينجذب إلى هالة الضوءِ، و بريقِ السَّنا، فيخطف منه بصر قلبه، فيقع في قاعِ لا ارتقاءَ عنه. و إما أن تأتيه في صورة صريحة جريئة وجها لوجه، فإما أن يكون الجوابُ حاضراً فيُنقذ نفسه به و إلا أخفقَ و لحق بمن سبق.

لا نجاة من محن الذات، فمحنها في مطالبها و رغائبها، و أينما توجَّهت النفسُ و الذات إلى شيءٍ فتلك محنة، ليرى الإنسان نفسه حينها أين هو، وما هو فاعل، و إلا فإن ترك لذاته العنان لربما هَوَتْ به و عَوَتْ عليه.

ربما كانت المنائح مِحنا تُمتحن بها الذات، و ربما كان الحقُّ أشد المِحن، لا لذاته، و إنما لما وراءَ القيام به، فحين يؤمن الشخصُ بشيءٍ و يعتقد بأنه مصيبٌ فيه يكون ذلك باب محنة عليه، لا من جهة الشيءِ ذاته، و إنما من جهة حال النفسِ مع ذلك، فكما أن تسلُّط الخطأ محنة كذلك تبسُّطُ الصواب، و ربما كان أشد محنة.

كل شيءٍ يحمل امتحاناً، و كل امتحان يريد جوابا، و لا جوابَ إلا ما كان صوابا، و الصوابُ له ألف مقياسٍ و معيار، و حيثما كان الصوابُ كانت النفسُ نزَّاعةٍ إلى هوى تعتقده صوابا.

ـ[ذو المعالي]ــــــــ[18 - 04 - 10, 07:47 م]ـ

من محن الذاتِ ما هو من دواخل الذات ذاتها، وهذا من أشدها، فاللص في داخل الدار أشد خطرا ممن في خارجها، فحين ترى الذاتُ أنها على شيءٍ من السلوك المستقيم على صراط غير ذي عِوجٍ، و تؤمن بذلك إيمانا شديدا، و تتوثَّق به توثقا كبيراً، وهو أمرٌ محمود، فإنها ستكون على حالةٍ في النظر إلى الآخرِ بأنه على النقصِ و إن رام الصوابَ أشد مما رامته، فتلك محنةٌ لها في أن تُدرك بأن نوال المقاصد بالقُدَرِ، و القُدَرُ توافيقُ، فربما أخذ التوفيقُ منها على حين غِرَّةٍ فغدت أحْرَف عن السبيلِ، لا لعدم البصيرة، و إنما لغرور الذاتِ، و تلك محنةٌ أدَرَتْها الذاتْ حين أتتْ؟!

كذلك من المحنِ أن ترمي بنفسها في كل محفلٍ و كأنها سيدة المقام، و فارسة الميدان، فلا يتحرجُ منها شيءٌ عن مزاحمة أو ملاحمة، و المُزاحم في كلِّ شيءٍ فاقدٌ كلَّ فيءٍ، فيضع نفسه محشورة، و الحاشر نفسه في غير ما هي له مستقبلٌ ما لا يُرضيه.

من محنها، ظنها أنها تجيد قيادة الأمور، و فهم المقاصد، و تتسلم الزمام في القيادة للأمام، و ما تدري أنها تسير للخلفِ، حيث لا أثرَ ثابتٌ في وُجهة الأمام، و الأمام لا يكون إلا لمن كان مأموما يوما، فلقيادة الأحوال أصول لا يُدركها أي أحد، و حين تبدو للذاتِ، تستعرُ فيها شرارة الرغبة في أن تكون، و حين يُؤْذن لها من شيطان الهوى تذهبُ أدراجها هاوية على أم الرأسِ، و حينها لا ساعةَ مناسبة لندمِ، ولا أثرَ لرجعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير