تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلم يجدوا في السحابة التي أظلتهم سوى أنها ظاهرة من ظواهر الطبيعة التي تتسبب في نزول المطر، خاصة وأنهم كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، ولكن لم تكن هذه الغمامة سوى العذاب الذي قالوا فيه من قبل: ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)) الأحقاف: 22.

فهؤلاء جحدوا كما جحد فرعون وقومه بالآيات التي جاء بها موسى عليه السلام، وفي هؤلاء قال تعالى: ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا)) الأعراف46، وقال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِين)) َالأعراف: 132 – 133.

قال القرطبي: أما الجراد فرجز وعذاب؛ أي أن إرسال الله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كان آيات من الله لهم ليرجعوا إليه سبحانه، فأما من تدبر منهم ذلك فقد تاب وأناب إلى الله، وأما من استمر في عناده؛ فلم ير في هذه الآيات سوى أنها مجرد ظواهر طبيعية تحدث وفقاً لنواميس معتادة، فقد وقع تحت طائلة العقاب. انتهى.

فترى البعض ينسب مثل هذه الأحداث الكونية إلى الطبيعة ناسياً أو متناسياً قدرة الله العظيمة، أو متأثراً باللوثة المادية وأن الطبيعة تخبط خبط عشواء.

إن النُّفوس التي أعرضت عنِ الله تعالى تأبى أن تَتَّخذ هذه الأحداث آيةً وعِبرةً وعِظةً، وتَنسِبُها إلى ظَواهِرَ طَبيعيَّةٍ فَحسب، زاعمةً أن لها أسبابًا مَعروفة، ويقولون كما قال من ساروا على دربهم ممَّن سَبَقَهم؛ قال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) الأعراف:95.

فَيَعُدُّونَ ذلك حالةً طَبيعيَّةً وليست عقوبةً إلهيَّةً، ممَّا يجعلُهُم يتمادَون في غيِّهم، ويستمرونَ في عصيانهم.

والقسم الثاني هم المعرضون، كما قال تعالى: ((وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ)) يس: 46، وقال تعالى: ((وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)) القمر: 2.

أما القسم الثالث فهم المؤمنون الذين ينتفعون بهذه الآيات ولايمرون عليها وهم معرضون، قال تعالى في وصف عباد: ((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً)) الفرقان:73.

فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله، فقلبه يتأثر بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله وتحيي قلبه وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله ذاكراً له، شاكراً لنعمه، مستجيراً بالله من نقمته وسخطه.

إن قوم يونس عليه السلام فهموا الآية التي أرسلها الله تعالى إليهم، قال تعالى: ((فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) يونس98

قال ابن كثير: أي أنه لا توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وماكان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب. انتهى.

وقال القرطبي: وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة (أي: سحابة أو غمامة) وفيها حُمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم؛ أي أنه لولا أن أهل هذه القرية فهموا المقصود من آيات الله، وأيقنوا أن العذاب سيصيبهم، فرجعوا إلى الله، ولم يكابروا، فرفع الله عنهم العذاب. انتهى.

إن سنن الله لاتحابي أحداً من الخلق، سنته بينها سبحانه بقوله: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)) الزخرف: 55، أي لما أغضبونا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير