وفي الأسبوع الأخير من حياته المباركة كانت أفعاله - رحمه الله - أفعال مودَّعٍ لهذه الدنيا فقد قرأ القرآن غيباً على أحد تلامذته في يوم واحد، وكذلك بدأ يراجع ما يحفظ من السنة أكثر من عادته، وكذا المتون بدأ بمراجعتها جميعاً، وفي ذاك الأسبوع كنت أستيقظ في جوف الليل - قدراً - فأجده جالساً وكأنه السكينة ممسكاً أحد متونه في يديه وكأنه النور. < o:p>
كانت وفاته - رحمه الله - بعد صلاة التراويح في ليلة الثالث عشر من رمضان ليلة الجمعة، سنة ألف وأربعمائة وثلاث وعشرين من هجرة النبي " صلى الله عليه وسلم " في حادث أليم وهو عائد من محافظة إربد، بعد أن أوصل شيخنا الفاضل أبا طارق - حفظه الله - وأحد إخوتنا من طلابه، وأصيب في رأسه إصابة بالغة، مات على إثرها، وقد حَدَّثَ المسعفون أنه بقي يتلو آيات القرآن حتى فارق الحياة، وكان آخر ما تلاه، قول الله سبحانه وتعالى: ((إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر))، ثم فاضت روحه إلى بارئها.< o:p>
تلك الشمائل لا تسل عن حسنها وردٌ وعطرُ فائح يتضوع< o:p>
استيقظ الوجود بشمس ذابلة كأوراق الخريف، وبلغ الخبر المحزن الجميع، فكان الوقع أليماً، وكأن السماء وقعت على الأرض، وكأن الأفق ضاق حتى غدا وكأنه موضع سوط، إندفع شيوخه وتلاميذه إلى المشفى الذي كان فيه، وقد غمرهم الحزن والأسى على فقد هذا الشيخ المبارك، وقد غسله شيخه الذي طالما أحبه فضيلة الشيخ رمضان الجلاد- حفظه الله – وكفنه وطيبه، ثم نُقِلَ جثمانه الطيب إلى قريته، وقام فضيلة الشيخ رمضان الجلاد فألقى كلمة في المسجد عن حياة هذا الشيخ المبارك أبكت المصلين.< o:p>
وقام الشيخ محمد إبراهيم أبو شقرة - عافاه الله – خطيباً في الناس فبكى وأبكى وعلا صوت البكاء في المسجد، أما أنا فوالله ما هالني أمرٌ مثل ما هالني مشهده وهو مسجىً في كفنه المتورد بجسده الطيب، وإني لأجد ألم فقده يزداد في قلبي يوماً على صدر يوم، منذ أن مضى والخريف يجتاح بقاياي المنثورة في أنحاء الوجود، ليتك تدري يا شيخي إذ مضيت أنك نثرتني حزناً يسكن في ضلوع الوقت، أو تدري أني غدوت بعدك ذابلاً كبقايا ربيع أنهكته هجرة الندى .... < o:p>
صلى فضيلة الشيخ رمضان الجلاد عليه، ثم حمل إلى مقبرة _ ساكب _ ليدفن، وكنت ممن حمل تلك الجنازة، فوالله ما رأيت أخف منها ولا أسرع منها أبداً، فذكرت حينها قول الإمام المبجل أحمد بن حنبل عندما كان يخاطب أهل البدع قائلاً: (بيننا وبينكم الجنائز). < o:p>
ثوى طاهر الأردان لم تبقَ بقعة غداة أنثوى إلاَّ اشتهت أنها قبرُ< o:p>
دفن - رحمه الله – بما وعاه قلبه من كتاب ربه وسنة النبي " صلى الله عليه وسلم "، وألقى أخوه مروان بني أحمد موعظة على قبره ذكر فيها بعض مناقب الشيخ - رحمه الله – ودعا الجميع له بقلوب خاشعة وعيون دامعة .... < o:p>
لقد كان الشيخ - رحمه الله - معرضاً عن الدنيا وزينتها، راغباً بما عند الله سبحانه وتعالى، لا تسره لذات الدنيا الزائلة، وإنما تسره طاعة يتقرب بها إلى ربه، وفي آخر حياته كادت أن تفتح عليه أبواب الدنيا، إلاَّ أنني أحسب أن الله سبحانه وتعالى غار عليه بأن يكون لهذه الدنيا من قلبه نصيب فقبضه إليه.< o:p>
وإن المحب من أهل الدنيا إذا أحبَّ بصدق، أحب أن يكون حِبُّه قريباً منه، ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى، وهو موصوف بأنه يحب عباده، وإني لأحسب أن الله أحب هذا الشيخ، فأراد أن يكون هذا الحبيب عنده فقبضه إليه .... < o:p>
هذه بعض الصفحات من حياة هذا الشيخ المبارك، فأرجوا من الله أن يحشرني معه، في زمرة النبي " صلى الله عليه وسلم "، وأن يجيرنا في مصيبتنا هذه ويخلفنا خيراً منها، وأرجوا من الله أن أكون قد وفقت فيما كتبت، وأن يجعله عبرة وموعظة نافعة، والحمد لله في الأولى والآخرة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.< o:p>
نزهة المؤمن الفِكَر لذة المؤمن العبر< o:p>
نحمد الله وحده نحن كلٌّ على خطر< o:p>
وكتب أبو رامز - غفر الله له -
< o:p>
ـ[أبو همام السعدي]ــــــــ[17 - 05 - 10, 11:51 ص]ـ
رحم الله الشيخ -رامز- رحمة واسعة , وأسكنه فسيح جنانه , وجزى الله والده خير الجزاء.
بارك الله فيك أخ " عبد الحكيم " على هذه التذكرة الطيبة.
وجزى الله مشايخه خير الجزاء.
ـ[أبو عبد العزيز الجالولي]ــــــــ[17 - 05 - 10, 11:57 ص]ـ
أسأل الله أن يرحمه وأن يعظم له الأجر والمثوبة.
بارك الله فيك أخي عبد الحكيم على هذه الكلام الطيب.
" ننتظر صفحات من حياة الشيخ رمضان الجلاد - حفظه الله - "
¥