تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قست قلوبنا ياعباد الله]

ـ[مراد باخريصة]ــــــــ[13 - 06 - 10, 07:05 م]ـ

إن القلب هو أشرف أعضاء الإنسان وهو الذي إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله وهو محل نظر الله سبحانه وتعالى وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه لا نجاة يوم القيامة لأحد إلا لصاحب القلب السليم {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) يقول ابن القيم رحمه الله أشرف ما في الإنسان قلبه وإنما الجوارح أتباع للقلب ... يستخدمها استخدام الملوك للعبيد).

القلب هو محل التقوى وقد صرح النبي صلى الله بذلك كما عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم التقوى هاهنا التقوى هاهنا – وأشار بيده إلى صدره.

إن القلب عباد الله إما أن يكون وعاءً للخير والرشاد وإما أن يكون وعاءً للشر والفساد يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه رواه مسلم.

لقد قست قلوبنا وقحطت عيوننا واستوحشت صدورنا وصرنا نقرأ الحاقة والزلزلة والقيامة فلا نتأثر ونرى الجنائز وندخل المقابر ونسمع عن موت فلان وفلان فلا نتأثر ونسمع النصائح والمواعظ والزواجر فلا نتأثر ونرى الأحوال والأهوال والأعاصير والزلازل فلا نتأثر ونسمع عن الصراط وحدته والميزان ودقته والوقوف بين يدي الله وعظمته فلا نتأثر ونسمع كل يوم عن أحوال المسلمين المستضعفين فلا نتأثر فما بال قلوبنا قد قست يا عباد الله حتى أصبحت كالحجارة أو أشدَ قسوة يقول الله سبحانه وتعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} يقول مالك بن دينار: "ما ضُرِب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم".

قست قلوبنا بسبب ذنوبنا نذنب بالليل والنهار ثم لا نتوب ولا نستغفر ولا نسأل الله العفو عما وقعنا فيه من ذنب أو معصية.

كل يوم ونحن نقترف المعاصي ونسترسل في الذنوب ونغفل عن الله ونضيع الصلاة ونتعرض لسخط الله نشاهد الحرام ونسمع الحرام وربما نأكل الحرام فماذا ننتظر لقلوبنا بعد ذلك؟

قست قلوبنا لأننا تركنا المفسدات والمؤثرات تعمل فيها وتتجمع عليها حتى تراكمت وتكاثرت وأصبحت حجاباً شديداً يغطي على القلب وهو الران الذي ذكره الله في كتابه فقال {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.

ومن أعظم مفسدات القلب التعلق بغير الله وترك التوكل عليه والتمني وهو طول الأمل وحب البقاء في هذه الدنيا وكثرة المخالطة وكثرة الضحك وفضول الأكل وكثرة النوم يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (أطلب قلبك في أربعة مواطن عند سماع القرآن وفي مجالس الذكر وفي أوقات الصلاة وفي الخلوات فإذا لم تجده فسل الله تعالى أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك) فالقلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه التوبة ويجوع كما يجوع البدن وطعامه وشرابه المحبة والإنابة ويعرى كما يعرى البدن ولباسه التقوى {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} ويصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤه الاستغفار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير