قست قلوبنا لأننا هجرنا القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله هجرنا تلاوته هجرنا سماعه هجرنا العمل به هجرنا التحاكم إليه والمطالبة بتحكيمه هجرنا الخشوع عند تلاوته وليسال كل واحد منا نفسه كم يقرأ في اليوم من كتاب الله وهل دمعت عينه عند قراءته لكلام الله يقول الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}
الخطبة الثانية
لقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من القلب القاسي الذي لا يخشع فقال اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها بل توعد الله جل جلاله صاحب القلب القاسي بالويل والثبور {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} كل هذا لأن أمر القلب عظيم وشأنه جليل وزيغه خطير فإن القلب إذا قسى ختم عليه وبعد الختم يطبع عليه وبعد الطبع يموت والعياذ بالله {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
عباد الله
إن قسوة القلب لا تلين إلا بالإيمان بالله والعمل الصالح وخير ما ترق به الأفئدة وتخشع له القلوب هو كلام الله فأكثروا من ذكر الله {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} قال رجل للحسن البصري "يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي؟ قال: أذبه بالذكر.
أكثروا من الدعاء والالتجاء لله سبحانه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يدعوا فيقول " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " يقول ثابِت البُنَاني رحمه الله قال: إني لأعلم متى يستجاب لي. قالوا: ومن أين تعلم ذلك؟ قال: إذا اقْشَعَرّ جلدي، ووَجِل قلبي، وفاضت عيناي، فذلك حينئذ يُستَجاب لي.
ومما يذيب قسوة القلب زيارة المقابر وتذكر الموت والتفكر في الدنيا وزوالها والانتقال منها إلى الدار الآخرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة يقول الله جل جلاله {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
فلو زرنا المقابر ووقفنا على القبور وتفكرنا في أحوال أهل القبور لرقت قلوبنا
ولو زرنا المستشفيات ورأينا أحوال المرضى وما يقاسونه من الأوجاع والآلام لذابت وحشة صدورنا
ولو نظرنا إلى الفقراء والأيتام والبؤساء وما هم فيه من الحاجة والمجاعة لتغيرت نفوسنا يقول أبُو هُرَيرَةَ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: ((إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِم الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ)) رواه أحمد وحسنه الألبانيُ.
ومما يذيب القلب ويذهب قسوته صحبة الصالحين الذين يذكرونك بالله والابتعاد عن مصاحبة الأشرار والمفسدين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم فإن القلب إذا امتلأ بدخان أنفاس بني آدم أسود وأصابته أعراض أمراض القسوة والغلظة والإعراض والجحود عن ذكر الله تبارك وتعالى قال تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
ـ[محبة لطيبه]ــــــــ[14 - 06 - 10, 12:52 ص]ـ
بارك الله فيكم ..
كثرة الاستشهاد بكلام الله في الخطب والمحاضرات له تأثير طيب على النفوس
نسأل الله ان يصلح قلوبنا واعمالنا
.