ومن عجيب أمر العالمانين أنهم دائمًا ما يرمون الإسلاميين بعدم مواكبة العصر، بينما هم أنفسهم يردِّدون شبهات تجاوزها العلم "الغربي" الحديث، وتراجع عن موقفه القديم معترفًا بخطئه، كما هو الحال في مظاهر الطب النبوي التي اضطر العالم الغربي -أو بعض جامعاته على الأقل- إلى الاعتراف الكامل به، ومنه التداوي بالحجامة، وعسل النحل، وحبة البركة، وبول الإبل.
ولن نطالب الكاتب بأن يبحر في عالم الطب، رغم أنه طبيب، ولكن إبحاره في الطب دائمًا ما يكون في الخليج الجنسي الآسن الذي لا يمثل علمًا طبيًّا بقدر ما يمثل مهنة صحافية تخاطب المراهقين.
كما لن نطالبه بطبيعة الحال أن يبحر في علوم الشرع، ولا أن يتابع جهود الأطباء المسلمين في مجال الإعجاز الطبي في القرآن والسنة النبوية؛ ولكن فقط سوف نحيله على جريدة "المصرى اليوم" التي كتب فيها ما كتب، والتي نشرت في عددها الصادر الاثنين 11 ديسمبر 2006م حوارًا مع الدكتور عبد الرحمن الزيادي جاء في ديباجته:
"عبد الرحمن الزيادي ليس فقط طبيبًا محترفًا واستشاريًّا لأمراض الكبد والجهاز الهضمي في جامعة عين شمس، ولا مجرد عالم حقيقي؛ بل هو مِن أهم الباحثين في مجال الفيروسات الكبدية، ونُشرت أبحاثه في الخارج، ولا تقتصر شهرته على كونه عضوًا في أهم الجمعيات الأمريكية والأوروبية المعنية بأمراض الكبد".
وممَّا جاء في هذا الحوار:
"الجريدة: ولكن هناك كثيرًا من المراكز العلمية تستخدم الطب البديل وطب الأعشاب في علاج فيروسات الكبد، كاستخدام اليابانيين للجلسريزين الذي يستخرج من نبات العرقسوس، وفي ألمانيا يستخدمون جذور العرقسوس ومسحوق عيش الغراب، ثم بماذا تفسر إنشاء منظمة الصحة العالمية قسمًا خاصًّا للطب البديل لمكافحة أمراض هذا القرن؟
الدكتور عبد الرحمن: كلها أعشاب لم يثبت فاعليتها الأكيدة في القضاء على المرض؛ فهي ما زالت في طور البحث، وتبقى فاعليتها كمواد طبيعية مضادة للأكسدة، وهو ما يساعد على تأخير نمو المرض، وأنا عن نفسي لا أرفض الطب البديل؛ بل أدعو الباحثين والدول لدعمه للقضاء على ما نشهده مِن أمراض كثيرة لم يتوصل العلم لعلاج لها بعد، ولكنني ضد الخرافات مثل العلاج ببول الجمل أو بالحمام أو ما شابه ذلك.
الجريدة: ولكن مؤيدي العلاج بالحجامة وبول ولبن الإبل يؤيدون فكرهم بأنه من الطب النبوي، ولم يكن النبي مروجًا للخرافات.
الدكتور عبد الرحمن: الأمر ببساطة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يوظف المتاح والمتوارث والمتعارف عليه مِن العلاجات السائدة في عالمه، والسؤال الآن: ماذا لو أن الله منَّ على عباده بعلاجات أكثر فاعلية وأكثر قبولاً عند الناس من بول الجمل؟ هل نترك هذه العلاجات ونعود لبول الجمل تحت زعم أنه طب نبوي؟ إننا نرى أن أدعياء الطب النبوي والمتاجرين به أخذوا من هذا الطب اسمه وأفرغوه مِن محتواه بما يتفق مع أهوائهم ومصالحهم (3).
أما الحجامة فهي عملية مختلفة، ولها أصول تراثية ونبوية بالفعل، فهي تعتمد على عملية خدش الجلد مما يحدث استنفارًا لجهاز المناعة، ويساعد على مقاومة الجسم للأمراض، ولكن قيام عدد من الحلاقين والعشابين -في أماكن غير مخصصة للعمل الطبي- بها يجعل منها عملية في منتهى الخطورة على المريض وعلى مَن حوله إذا لم يتم التخلص من دم المريض المصاب بالفيروس بشكل جيد، وأنا أعتقد أن تزايد عدد المصابين بفيروس "سي" وتواضع نتائج العلاج بالإنترفيرون وما صاحبه من آثار جانبية وارتفاع سعره دفع المريض إلى تصديق الشائعات والخرافات والبحث عن وسائل أخرى بديلة".
إذن فكلام الكاتب فيه خلط متعمَّد بين كثير من الأمور!
فالسلفيون يرشدون الناس إلى أصول الطب الثابتة في الكتاب والسنة، والتي مَن أخذ بها حصَّل كثيرًا من أسباب السلامة -بحمد الله-، وإلا فباب التداوي مفتوح كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ثالثًا:
¥