إذا كنا نُسَلِّم بوجود بعض الأخلاق عند الغرب؛ فلابد أن نستدرك بأن أخلاق الغرب أخلاق نفعية قائمة على المنفعة المتبادلة، وليست أخلاقًا أصلية، وإن كان الكاتب وأمثاله لم يرثوا مِن العرب إلا الكرم الحاتمي مع "الآخر"؛ فيصرون على نسبة القوم إلى الأخلاق، مع أن فلاسفة الغرب يصرحون بنسبية الأخلاق، مما يعني أن الخلق الحسن عندهم هو الخلق النافع في الدنيا، وهذا ما يفسر لنا هذا التناقض الرهيب بين التزامهم وأمانتهم في العمل، وهمجيتهم في عطلة نهاية الأسبوع وحوادث القتل الجماعي التي يرتكبها العاطلون عندهم انتقامًا من المجتمع ككل، فضلاً عن السلوك الهمجي للدول الكافرة في أرجاء الأرض!
هذا عن أخلاقهم فيما بين بعضهم البعض، فما بالك بأخلاقهم مع المسلمين؟!
لا أظن أن موقف الحكومات الغربية يخفى على أحد مهما كان منشغلاً بأدب الفراش أو بغيره؛ فأمريكا تعلن الحرب على العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل، ثم لا تجد له أيَّ أثر، ولا تجد في ذات الوقت أيَّ حرج من ذلك، وتقول: "يكفي أننا أتينا العراقيين بالحرية"!، فيسرِّب جنودهم صور التعذيب الوحشي في "أبو غريب"، وأيضًا لا تشعر أمريكا بأي حرج من ذلك، ومن قبله تعلن الدوائر الرسمية عندهم عن سجن "جوانتانامو"!
وأما على المستوى الشعبي؛ ففي ألمانيا حيث يُعالَج الشيخ قُتلت الأخت "مروة الشربيني" في ساحة المحكمة؛ لأنها رفعت قضية على أحدهم منعها من ملاعبة طفلها على الأرجوحة لكونها محجَّبة، وحَرَس المحكمة لا يحرِّكون ساكنًا، حتى إذا هب زوجها للدفاع عنها انطلقت رصاصاتهم تشله عن الدفاع عن زوجته.
ومع هذا فالشيخ الحويني وغيره من الشيوخ السلفيين -ومع تأذيهم من حالة السُّيَّاح الذين يأتون إلى بلادنا- ينهون الشباب المتحمس عن أن ينقُضُوا الأمان الذي دخل به هؤلاء إلى بلاد المسلمين، وهذا هو الفرق:
الغرب يعلن قبوله للآخر، بينما يُعمل فيه القتل على المستوى الرسمي والشعبي إلا فيما ندر.
ودعاة السلفية يعلنون رفضهم للآخر، ومع ذلك يحترمون العقود والمواثيق معه، وفي ذات الوقت يدعون ذلك الغير إلى الدخول في دين الله شفقة عليه؛ عسى الله أن يخرجه من الظلمات إلى النور، وأن يمن عليه بالإسلام، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية ..
رابعًا: يفرح المسلمون -دعاتهم وعوامهم- عندما ينضم إليهم أيُّ أخ جديد:
وهذا نابع من حب المسلمين لانتشار الخير، وقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في ذلك حتى كاد يقتله الحزن بسبب إعراض المشركين، حتى واساه ربه قائلاً: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6).
وقال -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ -رضي الله عنه-: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَي بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) (رواه البخاري).
بل إن انتماء الإنسان إلى أيِّ كيان وشعوره بتميزه يجعله حريصًا على زيادة أنصاره، فلو أنك أخبرت مشجعًا لنادٍ كروي أن أنصار ناديه في ازدياد، ثم وجدت منه لا مبالاة فضلاً أن يعارضك بقوله -على خلاف الحقيقة-: "إن مشجعي كل الفرق في ازدياد! "؛ فهل يمكن أن تصدق انتماءه لهذا النادي؟!
هذا ما يحصل في عالم اللهو واللعب عالم الكرة، ونأسف على التشبيه الذي لم أجد غيره للتعبير عن حالة كاتبنا تجاه خبر دخول عدد من الألمان في الإسلام على يد "الشيخ الحويني"؛ فأخذ يَذكر أن معدل البوذية وعباد القمر في أوروبا أيضًا في ازدياد!
ونحن نعلم أن هناك مَن يستجير من الأديان المحرفة بالأديان الشاذة، ونستمر في دعوة هؤلاء وأولئك إلى دين الفطرة والعقل؛ إلى دين الإسلام.
ولكن هل لنا أن نسأل الكاتب: تُرى هل شغل نفسه بنوعية وعدد مَن يهديهم الله إلى الاسلام، ونوعية وعدد المستجيرين من رمضاء الدين المحرف بنيران الأديان الوضعية؟!
لن نحيل الكاتب على الإحصائيات التي ترصد زيادة معدل الدخول في الإسلام في أوروبا إلى الحد الذي توقع فيه الساسة هناك أن تصبح أوروبا قارة إسلامية في عام 2050م إذا استمر الحال على ما هو عليه، ومِن ثمَّ استعرت حرب الحجاب، وحرب النقاب، وحرب المآذن، ولكننا نذكِّره بالأسقف الذي أحرق نفسه لينبه الغرب إلى خطر دخول الأوروبيين في دين الإسلام، وكان هذا في ألمانيا أيضًا!
¥