أَي كُلَّمَا أَرَدْت أَن تَتُوْب تَتَذَكَّر ذُنُوْبُك الْقَدِيْمَة، رَجُل مُتَلَبِّس بِمَعَاصِي زِنا وَشُرْب خَمْر وَقَتَل وَسَرِقَة وَمُخَدِّرَات وَهَذَا الْكَلَام، إِذَا أَرَاد أَن يَتُوْب قَال لَه الْشَّيْطَان: تَتُوب مِن مَاذَا؟ مِن ذَلِك أَو ذَاك أَو ذَلِك، سَنُواتُك كُلَّهَا ذُنُوْب، لَن يَقْبَل مِنْك، كَيْف تَتُوْب؟ أَلَا تُذَكِّر يَوْم كَذَا وَكَذَا فَعَلَت كَذَا وَكَذَا، وَيَوْم كَذَا وَكَذَا فَعَلَت كَذَا وَكَذَا فَهَذَا يَحْمِل الْعَبْد عَلَى أَن يَيْأَس مِن الْتَّوْبَة، وَيَظُن أَنَّه لَن يُقْبَل مِنْه فَيَتَمَادَى فِي الْعُدْوَان ,هَذَا مَعْنَى الْكَلَام.< o:p>
مِن عِلَل الْتَّوْبَة الِالْتِفَات عَلَى الْذَّنْب،و لَكِن الْكَلَام كَمَا قُلْت لَكُم فِيْه تَفْصِيْل، بِمَعْنَى مَاذَا؟.< o:p>
بِمَعْنَى: لَيْس كُل الْنَّاس هَذَا الْرَّجُل، هُنَاك نَاس مِن أَصْحَاب العَزَائِم وَأَصْحَاب الْهِمَم، إِذَا الْتَفَّت إِلَى ذَنَبِه جَدَّ فِي الْعَمَل حَتَّى يَتَخَلَّص مِنْه ثُم يَلْتَفِت فَيَجِد ذَنْبَهُ فَيَجِدُّ فِي الْعَمَل أَكْثَر حَتَّى يَتَخَلَّص مِن الْذَّنْب فَلَا يَزَال يَنْظُر إِلَى ذَنَبِه حَتَّى يَكُوْن مُنْتَهَاه الْجَنَّّة، وَهَؤُلَاء هُم أَصْحَاب الْهِمَم، بخلاف نوع من الناس عِنْدَهَا يَأْس سَرِيْع مجرد أن يَلْتَفِت إِلَى الْذَّنْب فيستكثره،فَلَا يَتُوْب.< o:p>
الْعُلَمَاء هُنَا يَقُوْلُوْن: فِي الْنَّوْع الْثَّانِي كُلما التفت الْمَرْء إِلَى الْذَّنْب يَجِد فِي الْعَمَل حَتَّى يَتَخَلَّص مِنْه، يَقُوْلُوْن: (رُبَّ مَعْصِيَةٍ أَوْرَثَت ذُلاً وَانْكِسَاراً، وَرُبَّ طَاعَةٍ أَوْرَثَت عِزاً وَاسْتِكْبَاراً).< o:p>
رُبَّ مَعْصِيَةٍ أَوْرَثَت ذُلاً وَانْكِسَاراً: ذَل الْذَّنْب، فَالَعَبْد عَمِل الْذَّنْب يَظَل مُنْكَسِر، وَلَا يَقْدِر أَن يَرْفَع رَأْسَه، هَذَا الذُّل يُدْخِلْه الْجَنَّة.< o:p>
وَرُبَّ طَاعَةٍ أَوْرَثَت عِزاً وَاسْتِكْبَاراً: رَب طَاعَة تُدْخِل صَاحِبَهَا الْنَّار وَرُبَّ ذَنْب يَأْخُذ بِنَاصِيَة صَاحِبِه إِلَى الْجَنَّة.< o:p>
الْعَبْد الْمُطِيع بِصِفَة دَائِمَة قَد يَغْتَر، وَيَقُوْل الْحَمْد لِلَّه أَنَا أعمل كِل شَيْء،أَتَصَدَّق وَأَحْج كُل سَنَة وَأَعْتَمِر وَأَزْوَج الْشَبَاب، وَأَرْصُف الْطُّرُق، وَأَعْمَل مُسْتَشْفَيَات، وَأَعْمَل غَيَّر ذَلِك، هَل هُنَاك مِثْلِي الْحَمْد لِلَّه، وَيُقَبِّل يَدَه ظَهْراً وَبَاطِناً، أَنَا هَكَذَا مِائَة بِالْمِائَة، فَلَا يَزَال يَغْتَر بِأَنَّه لَم يَعْصِ الْلَّه- عَز وَجَل- حَتَّى يَدْخُل الْنَّار بِالْطَّاعَة الَّتِي اغْتَر بِهَا بِخِلَاف الْآَخَر.< o:p>
إِذاً: عَلَى كُل دَاع إِلَى الْلَّه- سُبْحَانَه وَتَعَالَى- وَهُو يُخَاطِب الْنَّاس فِي مَوَاطِن الْإِجْمَال لَابُد أَن يَفْصِل، فَلَا تَحْقِرَن إِذاً عَمَلاً، طَالَمَا أننا كُلُّنَا عُصَاة لَا تَحْقِرَن مِن الْمَعْرُوْف شَيْئاً، لِأَنَّك لَا تَدْرِي هَذَا الْمَعْرُوْف رُبمَا كَان سَبَباً فِي نَجَاتِك وَلَو كَان قَلِيْلاً.< o:p>
أَبُو مُوْسَى الْأَشْعَرِي و صَاحِب الْرَّغِيف.< o:p>
وَهُنَاك قِصَّة صَحِيْحَة عَن أَبِي مُوْسَى الْأَشْعَرِي- رَضِي الْلَّه عَنْه- رَوَاهَا بْن أَبِي شَيْبَة وَغَيْرُه بِإِسْنَاد صَحِيْح، وَأَبُو مُوْسَى الْأَشْعَرِي يَحْتَضَر كَان أَبْنَاؤُه حَوْلَه، فَقَال لَهُم: (يَا بَنِي أُذْكُرُوْا صَاحِب الْرَّغِيف، فَقَالُوَا: يَا أَبَانَا مِن صَاحِب الْرَّغِيف؟) فَحُكِي لَهُم هَذِه الْحِكَايَة.< o:p>
¥