و قال إمام الحرمين الجويني في آداب المجادل: ((و عليهما جميعاً أن يصبر كل واحد منهما لصاحبه في نوبته , و إن كان ما يسمعه منه شبه الوسواس , لأنهما متساويان في حق المناوبة , و من لم يصبر منهما لصاحبه , فقد قطع عليه حقه , و متى لم يصبر عليه خصمه , بل داخله بالاعتراض , أو الجواب في نوبته احتلمه ووعظه , فإن أصر عليه قطع مكالمته))
ثم قال: ((و على كل منهما أن يقبل على خصمه الذي يكلمه بوجهه في خطابه , المتكلم في كلامه , والمستمع في استماعه , فإن التفت أو أعرض عنه في الاستماع أو الخطاب و عظه , فإن لم يقبل قطع مناظرته , لأن تركَ الإقبال , و حسن الاستماع يشغل قلب المتكلم والمستمع , فتنقطع عليه مادة الفهم و الخاطر)) (11)
و قد تجد محاورك يتحدث و في كلامه ما ينبغي أن يستدرك عليه , و يراجع فيه تعليقاً و تصحيحاً , فمن الأفضل أن يكون لديك قلمٌ و ورقةٌ , تسجل عليه ما تود تسجيله , حتى إذا جاء دورك أفضيت بما لديك حسب موقع ورودها.
و من اللطائف:
أن عبد الملك بن مروان استأذن على أمير المؤمنين معاوية في الدخول , فأذن له , ثم سلم عليه و جلس , و بعد أن فرغ من حديثه قام و انصرف , فقال معاوية: ((ما أكمل أدب هذا الفتى!)) فقال بعض الحاضرين ((نعم يا أمير المؤمنين , لقد أخذ بأخلاق أربعة , و ترك أخلاقاً أربعةً: أخذ بأحسن البِشر إذا لقي , و بأحسن الحديث إذا حدَّث، و بأحسن الاستماع إذا حُدِّث , و بأحسن الوفاء إذا وعد , و ترك مزاح من لا يثق بعقله , و ترك مجالسة من لا يرجع إلى الحق , و ترك مخالطة من لا أدب عنده , و ترك من القول و العمل كل ما يعتذر منه)) (12)
قال الشاعر:
إن أنت جالست الرجال ذوي النهىَ ***** فاجلس إليهم بالكمال مؤدبا
و اسمع حديثهم إذا هم حدثوا ****** و اجعل حديثك _ إن نطقت - مهذبا (13)
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1): من كتاب فن الحوار - أصوله - آدابه - صفات المحاور ((فيصل بن عبده الحاشدي))
(2): عيون الأخبار (1/ 307)
(3): عيون الأخبار (1/ 306)
(4): المنتقى (ص72)
(5): ((روضة العقلاء)) (ص72)
(6): ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (43/ 1)
(7): الفقيه و المتفقه)) (32/ 2)
(8): ((الأدب الصغير و الكبير)) (ص136)
(9): المرجع السابق (ص168)
(10): ((الفقيه و المتفقه)) (2/ 31 - 35)
(11): ((الكافية في الجدل)) (ص533 - 534)
(12): ((عيون الأخبار)) (1/ 307)
(13): المرجع السابق (1/ 307)
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=377550
ـ[أحمد بن عباس المصري]ــــــــ[07 - 07 - 10, 12:27 ص]ـ
(منقول من نفس الرابط)
وهذا إثراء للموضوع نقلاً من كتاب: (أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة) لمؤلفه محمد إبراهيم الحمد.
15_ترك الإصغاء للمتحدث:
وذلك بمقاطعته، ومنازعته الحديث، أو بالتشاغل عنه بقراءة جريدة، أو كتاب، أو متابعة متحدث آخر.
ومن ذلك الإشاحة بالوجه عن المتحدث، أو إجالة النظر عنه يمنة ويسرة.
كل ذلك مما ينافي الأدب في المحادثة، ومما يدل على قلة المروءة.
فينغي للمرء أن يتجافى عن هذا الخلق الذميم، وأن يحسن الأدب مع من يَتَقَصََّدُه بالحديث، ومع من يتحث أمامه.
فمن أدب المروءة حسن إصغاء الرجل لمن يحدثه من الإخوان؛ فإن إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدل على ارتياحه لمجالسته، وأنسه بحديثه. [انظر رسائل الإصلاح1/ 212.]
بل إن المتحدث البارع هو المستمع البارع؛ فأحسن الاستماع، ولاتقاطع من تحادثه، بل شجعه على الحديث بحسن إنصاتك؛ كي يقابلك بالمثل.
وبراعة الاستماع تكون بالإذن، وطرف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه. [انظر كيف تحاور د. طارق الحبيب ص21.]
قال ابن عباس_رضي الله عنهما_: " لجليسي على ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له في المجلس إذا جلس، وأن أصغي إليه إذا تحدث ". [عيون الأخبار1/ 306.]
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: «ثلاثة لا أَمَلُّهم: جليسي مافهم عني، وثوبي ماسترني، ودابتي ماحملت رجلي». [عيون الأخبار1/ 307.]
¥