بغداد الحبيبة حيث كان الصبية يسرحون ويمرحون في حدائقك , يتسابقون بين الأشجار ويلعبون بالأزهار ويقضون أجمل ساعات العمر على أرضك الحبيبة , إنهم يضحكون ويسامرون أهلهم وأنت شاهدة على ذلك , فهل لازلت بخير وصحة وعافية.
بغداد أيتها المدينة الحبيبة يا مدينة القوة والعزة والمنعة والخلافة العظيمة , أعلم حقاً أنه أصابك اليهود والنصارى بما يؤذيك , أعلم يقيناً أنهم شوهوا جزء من مدنيتك المعاصرة , سلبوا كثيراً من كنوزك التاريخية , تحت شعار الحروب الصليبية.
وأعلم حقاً أن المجوس يريدون أن يزيلوا مجدك الإسلامي العربي لكي يعيدوا مجد فارس المجوسي القديم , لقد ساء الفرس يابغداد أن العراق كانت بوابة النصر على مملكتهم , وكانت الفتوحات مؤذنة بإطفاء نارهم التي عبدوها ألف سنة.
أعلم كل هذا عن جراحك يا بغداد ولكني أعلم أن أهلك وأبنائك الذين سطروا مفاخر الدنيا أقدر مني على إعادة مجدك وعزك ومسح الخوف من وجوه أهلك , وأعلم أن العراق منبع البطولات ومعدن المروءات , فلازلت قوية بربك عزيزة بأهلك.
سيدتي وحبيبتي بغداد ... إننا نعلم أنه لم يتطاول الفرس أحفاد ابن العلقمي على العرب إلا يوم تأكدوا أنهم أحكموا القبضة عليك , فراحوا ينفثون حقدهم وسموهم , بعد أن كنت سداً منيعاً وكهفاً حصيناً في وجوههم , لقد فديت العرب بروحك وسعادتك , لقد قدمّت أغلى ما لديك للدفاع عن العرب ودينهم الإسلامي الخالد , مع أنك مدينة السلام دائماً .... إلا أنهم يفرحون بخرابك ولن يكون لهم هذا , لن يدوم هذا لهم يا بغداد .. وهيهات فأنت بغداد الصامدة الأبية القوية ..
بغداد أيتها العظيمة ... لازلتِ منبعاً للشجاعة والرجولة , لقد تعلمنا من أهلك أروع قصص الشجاعة والبسالة والتضحية , فهل نسيت يا بغداد رسالة ولدك الحبيب هارون الرشيد لنقفور ملك الروم لما استخف بحضارة المسلمين وتوعدهم بحرب ضروس إذا لم يدفعوا له الأموال ويطيعوه , فكتب هارون على ظهر الرسالة: (من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم , قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ,أما بعد فالجواب ما ترى لا ما تسمع) , فسار إليه بجيش هائل حتى هزمه وأذله في عقر داره وأرغمه على دفع الجزية للمسلمين.
وهل نسيت أيتها المدينة الحبيبة تلك المرأة المسلمة التي استنجدت بأحد أبنائك وهو المعتصم قائلة (وامعتصماه) , فخرج لها بجيش حتى أسقط الدولة التي أذلتها وأهانتها وأسقط مدينة عمروية لأجل صرخة امرأة واحدة , هل نسيتِ يا عروس المدائن وجميلة العواصم وحبيبة القلب ما قاله شاعرك أبوتمام يصف قوة المسلمين في تلك المعركة بأدق وصف وأجمله:
السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب
حبيبتي بغداد عروس العالم الإسلامي وزهرة الحضارة الإسلامية , هؤلاء هم أجداد أبنائك الذين يعيشون على ثراك اليوم فلا تخافي ولا تحزني , وتذكري أن الأيام دول.
بغداد أيتها القوية الصامدة , هل تذكرين يوم أن قام الأشرار بسجن ابنك الحبيب أحمد بن حنبل , هل تتذكرين السياط وهي تنهال على ظهره وهو لم يتغير عن موقفه , هل لا زلت تذكرين أبنائك الرجال الذين عُلِّقت أجسادهم على صلبان يراها الناس ودمائهم تسيل وهم لا يتزحزحون عن عقيدتهم , ويرخصون دمائهم فداء للإسلام , لأنهم يعلمون أنها في سبيل الله وحماية لعقيدة المسلمين الخالدة , لقد حاول المعتزلة أن يشوهوا عقيدة الإسلام ولكن أبنائك الأخيار أنقذوا الأمة , وقاموا بنصرة الدين حتى ضربوا أروع الأمثلة , وبقيتِ أنتِ يا بغداد تعجين بمجالس الحديث والسنة , وينتشر في مساجدك الذكر والوعظ , ويحاول الكذابون والزنادقة تشويه الدين وتلفيق الأحاديث فيبقى أهلك حماة للعقل المسلم , ومدافعين عن السنة أن ينالها شيء من زيف الوضاعين والمنتحلين للحديث النبوي.
بغداد أيتها الأسطورة الخالدة ... هل تذكرين التتار وهمجيتهم , هل تذكرين كم نههشوا من جسمك الجميل , كم سفكوا دماً , كم يتموا طفلاً , كم أرعبوا أسرة وعائلة , لكنك يا بغداد لم تموتي أو ينتهي مجدك , لقد أصبحت الشجاعة والقوة رمزاً لبغداد , بغداد ... إذا أصبح الأشرار يا بغداد أكثر قسوة , فأنت أكثر قوة وبسالة منهم في مقاومة الغزاة وتحمل الألم , وبناء الأجيال القوية.
¥