وكما قال يحيى بن أبي كثير: تعلموا النية، فإنها أبلغ من العمل. اهـ.
ألا أدلك على سر نكبات الأمة الإسلامية في المشرق والمغرب؟!!!!.
إنها النية ـ والله، وإن لم تصدق ـ فإليك الدليل:
لو صلحت نية طالب العلم عند تلقيه للعلم، وحافظ على سلامتها حتى صار شيخا جليلا تشخص إليه الأبصار، فجهر بالحق ولم تأخذه في الله لومة لائم، وكذلك انتهج بقية العلماء نفس السبيل، فمن أين سيجد السلاطين من يفتي لهم في الدين بما لا يرضي رب العالمين؟!!. فيظهر بذلك الدين، ولا يلتبس أمره على المصلين!!!.
ولو صحت نية الحكام، لبذلوا وسعهم في صلاح حياة الأنام، فيعم بذلك الخير والوئام، وكما قيل: لولا الوئام لهلك الأنام!!!.
واعلم ـ وفقك الله لكل خير ـ إن النية عبارة عن المحرك والباعث الحقيقي الكامن بين وجدانك، فلا يطلع عليه غيرك.
فمثلا أنت الآن تريد أن تطلب العلم، فما الذي دفعك إلى ذلك؟!! هل لطلب مكانة اجتماعية؟.
هل من أجل أن يقول الناس عنك: والله هذا الرجل طالب علم ممتاز؟.
أم لأجل النجاح في الجامعة؟.
أم من أجل شهادة ماجستير أو دكتوراه لكي تضعها في برواز في غرفة الصالون حتى يراها الداخل والخارج؟!!.
أم من أجل أن يقولوا: الدكتور راح والدكتور جاء؟!.
أو لمنافسة الأقران والأصدقاء والأقارب ... الخ إن أسباب عدم الإخلاص كثيرة جدا هل تعرف لماذا؟!!.
لأن الإخلاص شيء واحد، وما ورائه من أغراض هو عدمه، فالإخلاص يكون بأداء العمل لله، وأقرب تشبيه يحضرني في هذه العجالة نيتك في الصيام، فهذه كهذه، واعتذر للإطالة ففي القلب شجون وآلام. اللهم أصلح سرائرنا، واربط على أفئدتنا حتى نلقاك.
2 ــ كن سلفيا: ولا أعني بذلك ــ سلمك الله ــ أن تكون منضويا تحت جماعة أو حركة تسمى (سلفية)!!.
فما عانيته بالسلفية: منهجا ومسلكا، عقيدة وفكرا.
فخلاصة السلفية: الاعتصام بالكتاب، والسنة الصحيحة، وفق فهم سلف الأمة.
3 ــ إياك والغرور والكبرياء: وأكررها مرات ومرات احذر الغرور والكبرياء، فإنه السم القاتل لطالب العلم، فوالله ما تواضع طالب العلم إلا رفع الله شأنه، وما أصاب الغرور والكبرياء طالب علم إلا أذهب الله بركة علمه، ووالله إنه مجرب في كل وقت وكل حين، فاقبلها ولا تدعها فتكون من الخاسرين.
واعلم ــ وفقك الله للخير ــ الغرور والكبرياء يصرفك عن الدعوة وحب الهداية للناس، إلى منافسة الأقران، التي تورث التباغض والتشاحن والغيرة كالديوك.
4 ــ العمل ... العمل: لأنه ثمرة العلم النافع، فالعلم إذا لم يصحبه عمل، فهو علم بلا ثمرة، فالنصيحة أن يذهب هذا الطالب لشيء أخر له ثمرة كالتجارة، فثمرتها الربح والمال، فلعلها تكون أنفع له من طلب العلم.
ويدخل في العمل ترك جميع المنكرات، وفعل جميع الطاعات، فخذ ورقة وقلم وسجل ما لذ وطاب من الأمثلة: كترك الغيبة والنميمة والكذب .... الخ، وفعل الطاعات كإصلاح ذات البين وكثرة التطوع بالصلاة والزكاة والصيام وقراءة القرآن ... الخ.
5 ــ الصبر: وأعني بالصبر، الصبر على كل ما يخدم طلبك للعلم، الصبر على شيخك إذا وجدت منه خلقا لا يعجبك.
والصبر على الحفظ إن كان لك وردا وتحافظ عليه.
والصبر على قلة الرزق، إن تسبب انشغالك به قلة الوارد المالي، ولكن إياك إياك أن تتقاعس عن العمل بزعم طلب العلم، إلا إذا كنت في الأصل ميسورا، فلا جناح عليك حينئذ.
6 ــ ترك المراء ولو كنت صادقا: لأن المماراة لا تنشر العلم، وإنما تنشر البغضاء والشحناء، وتورث الكبرياء والغرور، وفي المقابل لا بأس بالمناظرات في الحق والمناقشات البناءة كما هو حاصل في الشبكات الإسلامية؛ لأن في المناظرات والمناقشات إظهار للحق وإبطال للباطل كما لا يخفى، ولكن تنبه جيدا!! عند المناظرات تضعف النيات، فانتبه لذلك ـ أثابك الله ـ.
7 ــ عدم الاقتصار على علم واحد في بداية الطلب، والاقتصار على علم (الاختصاص) عند نهاية الطلب: وقولي: (نهاية الطلب) أعني به عند الانتهاء من المرتبة الثالثة (الاحتراف) في طلب العلم؛ لأن طلب العلم مثل الأعداد له بداية وليس له نهاية.
وإنما نصحتك بعدم التخصص في بداية طلب العلم؛ لأنك في البداية تحتاج لمفاتيح العلوم، لتسير في درب العلم هاديا مهديا.
8 ــ ترك التعصب: فوالله ما وجدت مانعا لوصول الحق مثل التعصب، فمن تعصب لفلان من الناس، أو لجماعة، أو لمذهب، أو تيار، أو شيخ، أو حاكم، أو مؤلف ... الخ فاغسل يدك منه، وكبر عليه أربعة، وادعو الله له بالرحمة فإنه في عداد الأموات، ولن يحيا حتى يدع التعصب إلا للحق، ومثل هذا لا تتعب نفسك في مناقشته ومحاورته، أبالله عليك يمكن مناقشة الأموات؟!!! فهو كذلك والله لا خير فيه قط.
9 ــ اقتصد فيما يروح النفوس: مما لا شك فيه أن النفس البشرية جبلت على حب المزاح واللعب أحيانا، وهذه لا أرى بها بأسا، فقد فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما هو مشهور، ولكن ضابط ذلك إذا جاز الفعل شرعا، ولكن محل النصيحة الاقتصاد في ذلك حتى لا يموت القلب.
10 ــ امسك عليك لسانك: فطالب العلم معرض للنيل من عرضه، ومعرض للحوار مع بعض السفهاء أو الجهلة، ومعرض لمشاغبات الأقران والحاسدين، فإن لم يتحلى برابطة جأش، وقوة قلب، استدرج يمينا وشمالا حتى يتلف، كما هو مشاهد في كثير من الأحيان.
هذه بعض النصائح التي تحضرني ألقيت بها بينكم لعلها تجد من يصغي إليها، والله أنا أشد الناس حاجة إليها، فأسأل الله تعالى أن يعيننا على القيام بها، وأن ينفعنا بما علمنا، ويجعله حجة لنا لا علينا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تنبيه هام لأحبتي:
والله هذا جهد المقل، أحسب أني بذلت طاقتي في ساعتي، ولا أدعي العصمة، وإنما كتبتها نصيحة، فإن وجد أحد فيها خيرا فليدعو الله لي بالهداية، ومن وجد غير ذلك فليعذرني فوالله لم أرد جاها ولا مالا إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وقد أصغت معظمها من الذاكرة، والذاكرة كما تعلمون خوانة، أضف لذلك أن خط الكتابة صغير، ولم يسعفني الوقت لكي أراجعها فأرجو السماح.
محبكم في الله
منقول من أنا المسلم
¥