وبدأت جموع النمل في الانقسام، منها من استمر في مكانه، ومنها ما توقف، ومنها الذي انسحب ليشن هجومًا على ابن عمه النمل فلن يجعل له السيادة عليه، وكاد الحكيم أن يتكلم لكن قبل كلامه الذي وقر في صدره التفت إلى المارد فإذا به أحس بما يدور حوله فعندما أدرك الأمر بدت منه ابتسامة وتنهد، ها قد جاءني الفرج بدون تخطيط إذ لم أكن أضع في الحسبان يومًا ما يقظة الخراف.
قال الحكيم في نفسه: هذا ما كنت سأصيح به، بل لقد أكدت لي ابتسامة المارد وتنهيدته أنني على صواب.
فصاح الحكيم: أيها النمل أنتم وأبناء عمومتكم إلى هلاك إذا ما تركتم هذا المارد ولم تستمروا في إهلاكه، فما هي إلا لحظات وينقض عليكم، أما اتعظتم من بني الإنسان وما يحدث له، أما لكم فيهم عبرة، بالأمس القريب في أفغانستان تكالبت القوى الإسلامية وقلنا أمل وصبح جديد آت، فقد دمروا المارد الشيوعي، ثم لأسباب بدؤوا في إهلاك أنفسهم، فما كان إلا أن تدهورت قوتهم، ثم لم يلبسوا إلا قليلاً وجاءهم مارد عاتي من جنس آخر أذاقهم الذل والدمار وما زالوا.
قالوا: يا حكيمنا فما العمل؟ أن نجعل لأبناء العموم السيادة علينا فلا، أو نجعل لهم الشرف في اشتراكهم معنا في إهلاك المارد فلا؟
قال: على رسلكم، استمروا ولا تخشوا من أبناء العم فحتى قتال الباغي منهم أمره بسيط عن ذلك الطاغوت العاتي المارد.
دعوا الأمر لي واستمروا في إبادة عدونا جميعًا ودَعُوا لي أبناء العم، ولكن لا تنشغلوا عنه فيسترد قوته، ولا تنشغل كتيبة الأصبع عن الإصبع.
توجه الحكيم إلى كتائب أبناء العمومة، وذهب معه بعض كبار النمل الذي لا يقوى على جهاد المارد، والذي بقى له من حياته الكلمة ولا أزيد.
فقال الحكيم: يا أهلاً وسهلاً بأبناء العمومة، تفضلوا، ابتلينا وإياكم بمارد دمر منا ومنكم الأجيال، فإن كنتم جئتم لحربنا كي لا يكون لنا شرف الانتصار فما هي إلا لحظات ونكون وإياكم من المهلكين فلن نفرح بانتصار ولن تفرحوا بانتصاركم علينا.
بدأ النمل الضيف ينظر إلى نفسه إنه كلامٌ حكيمٌ، لكن أنجعل لكم الانتصار فتسودا علينا وترفعوا رؤوسكم وننكسر نحن؟ لا، لا ...
قال الحكيم: إذا ارجعوا وفروا من المارد بدلاً من موتكم المحقق منه.
بدأت كتائب النمل الضيف تنظر إلى بعضها إنها الحكمة والحق فماذا نصنع؟
قال الحكيم: هل جئت لسيادة أم لإهلاك عدو ابن عمكم وعدوكم، اسألوا وحددوا الإجابة، أوما تعلموا أن أي سلطان لسيادة لن يدوم وأن سلطان العدل والحق هو الدائم؟
قالوا: كلامك حكيم، ولكن
فقاطعهم الحكيم قائلاً: بل انتصروا على أنفسكم، وكونوا وأبناء عمومتكم يدًا واحدة، ودعوا الجاهلية فهي منتنة، وهيا ليكون منكم ما يكون من أبناء العم، نحن فخورين بأن تكونوا معنا ضد المارد العاتي، ونفخر أكثر إذا ما تزايدت الأواصر بيننا فهيا إلى أفراح النصر المبكر انتصارنا على الذات، ثم انتصارنا على المارد، ولتتقدم منكم كتائب للجهاد وليتقدم منكن من يريد التزوج معنا، وأنا أريد لابني بنت عمه فلان فهي ذات أصل مكين. وهذا ابن عمكم لن يجد كفاً لابنته خير من فلان.
خرجت منهم الصفوف صفوف للقتال، وأخرى لإقامة الأفراح.
وتوجه الحكيم وقص على إخوته وقريته ما حدث وبدأت كتائبهم تقترب أكثر من المارد الذي نظر إليه الحكيم فوجده يتألم ويتحسر وتزداد حسرته وما هي إلا ساعات ومات المارد، وشيدت أفراح الانتصار، وشيدت أفراح اتحاد القريتين والمملكتين. ومن ساعتها وكل المردة تخشاهم و ...