والشيخ محمد رجل محبب بشوش، يدخل قلب محاوره بغير استئذان. وقد كانت الجلسة في موضوعات شتى، منها: وصف الشيخ لزيارته الأخيرة لبلاد المغرب، وشيء من الكلام على كتب ابن تيمية وابن القيم – والشيخُ بها خبير -، وتحقيقات الشيخ التي تصدر عن دار عالم الفوائد، ونحو ذلك. وقد اشتكيتُ إلى الشيخ من عدم وصول هذه التحقيقات إلى المغرب، ولكن يبدو أن المشكل ليس له حل في الوقت الراهن.
وقد حضر الجلسة أحد الدعاة السلفيين، اسمه عبد الغفار، وأصله من بلاد الهند. وقد حدثنا عن شيء من أحوال أهل السنة في تلك البلاد مع البريلوية المبتدعة، وتعصب القوم هناك على السلفية وأهلها.
ثم وفقني الله أيضا، فحضرت مجلسا طيبا بدار آل الموجان العامرة. وكان لي مذاكرة طيبة مع الشيخ عبد الرحمن بن حسين الموجان، عن موضوع رسالتي للدكتوراه، وعن بعض كتب المالكية التي تحقق في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهموم نشر الكتب التي تحقق في الجامعة، ونحو ذلك.
ثم ذاكرت الشيخ الدكتور عبد الله بن حسين الموجان – حفظه الله تعالى - واستفدت من علمه الجم، وأخلاقه الرفيعة، وفكره المعتدل. واكتشفت أن له زيارات كثيرة إلى المغرب، وأن له به وبأهله معرفة بالغة.
وقد تفضل بإهدائي بعض مؤلفاته وتحقيقاته النفيسة، جزاه الله أفضل الجزاء.
وعلى العموم، فقد عرفت من آل الموجان في تلك الجلسة، علما، وكرما، وفضلا؛ زادهم الله من توفيقه.
وكانت هنالك لقاءات أخرى مفيدة نافعة، لا أنشط لوصفها جميعها.
(9)
وقد خبرت خلال زيارتي هذه لبلاد الحرمين، ما للإلف والعادة من ثقل في النفوس.
فمن ذلك أنني جربت أن ألبس (الغترة) لأكون موافقا للباس أهل البلد، ولا أتميز بلباسي المغربي عنهم.
ولكن رأسي ما قبل ذلك، ولا استمسكت (الغترة) فوقه!
فإذا سجدت سابقَتني إلى موضع سجودي فأنشغل بإماطتها، وإذا ركعت كان مبلغ همي أن أنشغل بإصلاحها لكي لا تفر من فوق رأسي، وإذا هب نسيم ألوت هاربة فتتبعتها كفي، لكي لا تطير فينكشف ما تحتها – والعهد بحلق العمرة قريب -!
ولقد أطلت التعجب من القوم، كيف يفعلون مع هذا الثوب العجيب؟!
ولكن صدق من قال: (لكل امرئ من دهره ما تعودا)!
وإذا كان رأسي لم يقبل (الغترة)، فإن لساني ما استساغ (القهوة العربية)، بل ما أطقت رائحتها، ولا وجدت لها في فمي مسلكا.
وقد اتهمت نفسي، لما رأيت القوم يحبونها، ويستزيدون منها، فسألت بعض من لقيت من أهل المغرب، فثبتوني على رأيي، وآنسوني في ذوقي. و (للناس فيما يعشقون مذاهب).
(10)
آه ما ألذ تلك اللحظات .. وما أطيب تلك السويعات ..
ولولا أمل الرجوع، لكانت أوجاع الموت أيسر من آلام الوداع ..
فاللهم لا تحرمنا من أوبة تقضى بها الحوبة، ومن رجوع إلى ذلك المقام يعجل بمحو الذنوب والآثام.
والحمد لله، وصلى الله على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
البشير عصام
27 شعبان 1431
ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[08 - 08 - 10, 11:35 م]ـ
ما شاء الله
و الله كلام يكتب بما الذهب ......
جزاك الله خيرا
ـ[ابوعبدالله المغربي]ــــــــ[10 - 08 - 10, 02:26 م]ـ
بارك الله فيكم وجعل ما كتبتم في ميزان حسناتكم.
ما استطعت أن أكمل قراءة هذه السطور و التي تحكي حقيقة ما يختلج في القلب من أسرار و أشواق
ورحم الله ابن القيم حين يقول
ولما رأت أبصارهم بيته الذي ## قلوب الورى شوقا إليه تضرم
كأنهم لم ينصبوا قط قبله ## لأنهم شقاهم قد ترحل عنهم
فلله كم من عبرة مُهَراقة ## وأخرى على آثارها لا تقدم
إذا عاينته العين زال ظلامها## وزال عن القلب الكئيب التألم
ولا عجبا من ذا فحين أضافه ## إلى نفسه الرحمن فهو المعظم
كساه من الإجلال أعظم حلة ## عليها طراز بالمُلاحة مُعْلم
ـ[أبو تيمور الأثري]ــــــــ[10 - 08 - 10, 03:08 م]ـ
ما شاء الله على لغتك أخي عصام وفقك الله
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[10 - 08 - 10, 03:53 م]ـ
أستاذنا الكريم. كنتَ لأم القرى خير القِرى لها زيارتك الميمونة بفضل التوفيق من الله. و كم كانت الأماني أن يُلتقى بك، و لكن ما كلُّ متمنٍّ نائل. رحلة مليئة بجميل الأحوال، و حفية بنبيل الأفعال، و سَنية بعالي الخصال، و ليس غريباً ذا، فالبشيرُ عِصامُ الكرم، و العصامُ بشيرُ الهمم. و بين ذينك تختلج نفس تتوقُ، و إلى الكمال الروحَ تسوق. مبارك أينما كنت و يممتَ و حللت و ارتحلتَ.
¥