[من العجيب الغريب أن تعرف كل المخلوقات قدر العلماء ويجهل ذلك كثير من المسلمين]
ـ[محمد حماصه]ــــــــ[19 - 12 - 07, 03:21 ص]ـ
"ما أحسن أثر العلماء على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم"، هذه الحقيقة الناصعة والكلمة الخالصة قالها الإمام أحمد رحمه الله متعجباً فيها من مقابلة كثير من الناس لإحسان العلماء لهم بالإساءة والانتقاص والصد والامتعاض عنهم.
ليس غريباً أن تعرف الملائكة فضل أهل العلم، وأن تتواضع لهم، فلا يعرف الفضل لأهله إلا أهله، ولكن الغريب العجيب أن تفطن جميع المخلوقات في السموات والأرض سوى الثقلين لفضل العلماء، وأن تستغفر لهم، وتدعو لهم بالرحمة، ويغفل عن ذلك كثير من الناس.
صح عن كثير بن قيس قال: كنت جالساً مع أبي الدرداء رضي الله عنه في مسجد دمشق، فجاءه رجل، فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئت لحاجة. قال أبو الدرداء: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".1
قال الإمام الخطابي رحمه الله في معالم السنن2 معللاً لاستغفار الحيتان في جوف الماء للعالم: (إن الله قد قيض للحيتان وغيرها من أنواع الحيوان بالعلم على ألسنة العلماء أنواعاً من المصالح والأرفاق، فهم الذين بينوا الحكم فيها، فيما يحل ويحرم فيها، وأرشدوا إلى المصلحة في بابها، وأوصوا بالإحسان ونفي الضرر عنها، فألهمها الله الاستغفار للعلماء، مجازاة لهم على حسن صنيعهم بها، وشفقتهم عليها).
لقد أمر الشارع الحكيم بالإحسان إلى الحيوان وإلى جميع المخلوقات، وبالرفق بها، حتى عند القتل والذبح، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".3
وبين العلماء كيفيات الإحسان في الذبح والقتل، ونشروا ذلك بين الأنام، وعلموها لبني الإنسان، مما جعل هذه العجماوات تستغفر لهم وتشكر لهم صنيعهم، الأمر الذي عجز عنه كثير من المسلمين، حيث قابلوا الإحسان بالإساءة، والمعروف بالمنكر، والخير بالشر، مما حدا بسيد التابعين أويس القرني رحمه الله أن قال: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لي صديقاً"، بينما كان سلف هذه الأمة يقابلون الإحسان بالإحسان، فقد أثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي".
وليت الأمر وقف عند عدم الاعتراف بالفضل والدعاء والاستغفار، بل تعداه إلى ما هو أسوأ من ذلك، إلى العداء والتضليل، بل والتكفير في بعض الأحيان، مع التحذير الشديد والوعيد المخيف عن ذلك، حيث لم يعلن الله عز وجل حربه إلا على أصناف ثلاثة من البشر، منهم المحاربون لأوليائه، المعادون لأصفيائه: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب".4
والعلماء هم الأولياء، بل إن لم يكن العلماء هم الأولياء فليس لله ولي كما قال الإمامان5 أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله.
فلحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، كما قال الحافظ ابن عساكر: (اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"6).
مما يسلي النفس ويلهيها عن ذلك أن كثيراً من الناس لم يعترفوا بفضل الرسل الكرام والأنبياء العظام، بل قابلوهم بالصدود والجحود والعصيان، فلا غرابة أن يقابل أتباعهم من العلماء بما قوبلوا به، فالعلماء ورثة الأنبياء، وقد أخبر الصادق المصدوق أن: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل"، أوكما قال.
فاحرص أخي الحبيب أن تكون عالماً، أومتعلماً، أومستعلماً، أومحباً، ولا تكن الخامس فتهلك كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه، والخامس هو المبتدع المبغض للعلماء ولسنة الحبيب المصطفى.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا على حبك، وصلى الله وسلم على رسولنا الصادق الأمين، وعلى أصحابه وآل بيته الغر الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
من موقع الدين النصيحة
ـ[محمد حماصه]ــــــــ[01 - 01 - 08, 05:43 م]ـ
للتذكير