يا عبد الله، يا من أيام عمره في حياته معدودة، يا من عمره يقضى في الساعة والساعة فيما لا فائدة منه، يا كثير التفريط في قليل البضاعة، يا شديد الإسراف، يا قوي الإضاعة، كأني بك عن قليل ترمى في جوف قاعة مسلوبًا لباس القدرة وبأس الاستطاعة، وجاء منكر ونكير في أفظع الفظاعة، كأنهما أخوان من الفظاظة من لبان الرضاعة، وأمسيت تجني ثمار هذه الزراعة، وتمنيت لو قدرت على لحظةٍ لطاعة، وقلت: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] وما لك كلمةٌ مطاعة، يا متخلّفًا عن أقرانه قد آن تلحق الجماعة، وتعلن التوبة عن تلك الآثام هذه الساعة.
أيها المسلمون الصائمون، إننا نخاطب الإيمان الذي في قلوبكم أن تحفظوا نعمة البصر ولا تطلقوها في النظر إلى ما حرم الله، فإن النظر سهمٌ من سهام إبليس. إن النظر بمنزلة الشرارة في النار، ترمَى في الحطب اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه.
كل الحوادث مبدؤها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرةٍ فعلت في قلب صاحبها ... فعل السهام بلا قوسٍ ولا وتر!
والمرءُ ما دام ذا عينٍ يقلبها ... في أعين الغيد موقوفٌ على الخطر
يسرُّ مقلتَه ما ضرّ مهجتَه ... لا مرحبًا بسرورِ عاد بالضرر
إن من غضّ بصره عما حرم الله عليه عوضه الله -تعالى- من جنسه ما هو خيرٌ منه، فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره في محارم الله، وهذا أمرٌ يحسه الإنسان من نفسه، فإن القلب كالمرآة والذنوب كالصدأ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي، وإذا صدأت لم تنطبع فيها صور المعلومات، فيكون علمه وكلامه من باب الخوض والظنون.
ثم بعد هذا كله أيها الآباء، ما ذنب الأولاد أن نربيهم منذ الصغر والنساء المحصنات في البيوت على مسلسلات الخلاعة والمجون ويكبرون على التناقضات، فيتربى الطفل منذ الصغر والمرأة في المنزل وعندهم أن لا مانع من النظر إلى النساء والاختلاط بين الشاب والبنت، ولا ما نع من رؤية الفواحش، ولا مانع من رؤية مناظر الخمور والدعارة، ومع هذا كله نعلمه أن لا مانع من أن يصوم ويسمك عن الطعام والشراب، ولكنه لا يطلق بقية جوارحه والله المستعان. ما ذنب الأبناء والنساء؟! ثم يشتكي الواحد منا بعد ذلك من ولده أنه وقع في هذه البلوى أو تلك أو من أذية امرأته أو خطئها.
أيها المسلمون، هذه القنوات في حياة الناس تدخلت في كل شيء، وغيرت ترتيب وجبات الطعام عند بعض الناس، فصارت الوجبات ملتزمة بمواعيد البرامج، وأحيانًا يأتي موعد الوجبة الغذائية ويمضي والمشاهدون مشدودون للتلفاز دون اهتمام بحاجة الجسم للطعام ودون شعور بالجوع في بعض الأحيان، وذلك عندما يبلغ السكر منتهاه.
لقد غير التلفاز طريقة تجمُّع الناس، لقد كان هناك تزاورٌ بين الجيران في السابق وكانت هناك أحاديث جميلة وتسامر نظيف واهتمام بمشاكل البعض، أما الآن فكلَّ ليلٍ الأسَرُ مشغولةٌ بمتابعة الأفلام، وتعدّى الأمر حتى إلى العجائز وكبار السن والله المستعان.
بل إن الأسرة الواحدة واسألوا أنفسكم يا بعض الآباء يا من غفلوا عن بيوتهم وأولادهم: أفراد البيت على كم مرة تلتقي في الأسبوع بكامل أفراد البيت غير أوقات الطعام والتلفاز لتتحدثوا عن موضوعٍ معين، أو على الأقل تجلس معهم -أيها الأب- لكي يكتسبوا من أخلاقك؟ ومتى سوف يتعلمون منك التعقل والحكمة والاتزان؟! ومتى يقتبسون من أفكارك وآرائك أيها الوالد؟!
إذا كنت الآن وفي هذا السن لا تجلس معهم فمتى يكون إذًن؟! فبعد أن يكبر الأولاد الالتقاء معهم يكون في المناسبات، فالتلفاز لم يترك وقتًا للالتقاء الأسريّ ولا للتجمع العائلي، وليس هناك مجال لتبادل الخبرات والتجارب، والجواب أتركه لكل والد.
¥