أتدري لما؟ لأنه ضيع معظم رحلته في تحقيق أهداف بلا قيمة
أتدري ما الحياة، إنها سباق مع مدة الرحلة تكابد طول الطريق لتحقيق المزيد من الغايات وقد تدرك منها الكثير وتعلم في النهاية أنك أدركت ما لا يستحق السعي من أجله، بل ربما إن أعرضت عنه جاءك مرغما
وقف الملك يلقن من حوله درسا عن الحياة فنادى فارسا من فرسانه وقال له: ما أدركت من ملكي بخيلك فهو لك
لم يصدق الفارس هذا العرض لذا لم يعط نفسه الفرصة للتفكير في استغلاله، وكم من الفرص التي تضيع هباء لأن العقول تعمى أحيانا عن التأني والتفكير
انطلق الفارس مسرعا عله أن ينال ملكا لم يتعب من أجله، وكلما شعر بالتعب زاد شوقه إلى إدراك غايته فيتحامل على نفسه لمزيد من الملك ينتظره تحت أقدام فرسه، واتسعت دولته الواهية وترامت أطرافها حتى أصابه من الجهد ما لم يقوى على تحمله فإذا به طريحا على الأرض من شدة الإعياء والتحامل على نفسه ليجد نفسه يلفظ آخر أنفاسه وهو ينظر إلى ما أدرك من الملك فيترك هذه المساحات الشاسعة ليملك قطعة صغيرة منها تأوي جسده بعدما لفظ آخر أنفاسه، فرحل الفارس وهو يبحث عن وهم زائف وبقي الملك وملكه
أتدري ما الحياة، آلام وآمال، صعوبات ومشاق، أماني وأحلام، تمر بنا الابتلاءات فتصنع من واحد شيئا ومن الآخر نقيضه، رغم أنها نفس المشاق
وقف الأب يلقن ابنته درسا علها أن تفهم منه معنى الحياة، فأحضر ثلاثة أوان بها ماء مغلي ووضع بالأول جزرة وبالثاني بيضة وبالثالث ملعقة قهوة، وأمهلهم على النار قليلا، وابنته لا تملك سوى المشاهدة علها أن تدرك شيئا يختزل لها طريق الحياة،بعد دقائق أراها نتيجة ما صنع، أتدري ماذا كانت النتيجة
أما الجزر الصلب حينما وضع في الماء المغلي غدا رخو هش
وأما البيضة فلم يحل جدارها الصلب من أن يتجمد قلبها السائل
وأما القهوة فلم تغير نكهتها فقط وإنما غيرت المحيط الذي خالطته فغيرت طعم الماء وشكله
فالماء المغلي هو عقبات الحياة التي تمر بنا في رحلتنا، فمنا من تفقده صلابته ويصبح بلا قيمة، ومنا من تزيد من قوة تحمله وصلابته فيستوي ظاهره بباطنه، ومنا من يفرض نفسه على واقع الحياة فيصنع من الآلام آمال ومن المحن منح ولا يتعجل قطف الثمار، فالماء المغلي واحد لكن النهايات اختلفت ....
أتدري ما الحياة، إنها قصة جميلة تتشابك أحداثها كلما اتسعت العلاقة بين أبطالها وفي ذروة الأحداث يضع كل واحد من أبطالها نفسه على طريق مستقل يمضي فيه بحثا عن غاية ينشدها وقبل أن تنتهي أحداثها يجتمع أبطالها ليلقي كلٌ بما في جعبته، ماذا حقق وماذا بقي، ثم تنتهي أحداثها بفوز من أدرك غايته وخسارة من ضل سعيه وخسرت تجارته
أتدري ما الحياة، إنها معني في آية من القرآن [اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ] {الحديد:20}
ومعني في حديث نبوي «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (البخاري)
لعلك الآن عرفت معنى الحياة
إنها هدف تنشده وعمل تنجزه ورسالة تحملها ومعنى تسعى لإدراكه
إنها حلم جميل وواقع بحاجة إلى المكابدة
إنها ماض ورث الخبرات وحاضر عايش الأحداث ومستقبل رسمت ملامحه الأهداف
إنها أمل يشق طريقه بين الصعاب
هكذا أرى الحياة وقد تتفق معي فيما كتبت وقد تأتي بمعنى غاب عني، فرجائي من كل مَن مرَّ برحالي وقرأ ما خطته يداي أن يترك لي معنى الحياة عنده ...
أسامة عبد العظيم