تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنذ أخذ الإسلام يدخلُ فيه الناس أفواجًا أفواجًا، ويصل إلى القلوب بنوره وهدايته، وأهل الزيغ يُريدون أن يهدموه، ولم يجدوا إلا السنة موضعًا لهدمهم، ليتجرد القرآن عن بيانه، وبهذا الطريق يصلون إلى الإسلام ليهدموه، وإلى القرآن ليجف، ولا يكون هدى وشفاء للمؤمنين.

ولقد ذكر لنا الشافعي في رسالة الأصول، ورسالة جماع العلم أنه التقي بالبصرة – عش الفرق المنحرفة – من ينكر السنة كلها ولا يعترف إلا بالقرآن مصدرًا مبينًا، وقد جادلهم بالتي هي أحسن حتى أفهمهم بظاهر الحال، وإن كانوا في طوية أنفسهم لم ينخلعوا عن تفكيرهم، لأنهم لم يكونوا طلاب حق، فيقنعهم الدليل، أو يسكتوا عند العجز عن الحاجة. بل إنهم طلاب الباطل، وللباطل لجَاجَة، ولما أفحمهم الشافعي في ادّعائهم أنه لا حجة إلا القرآن جاءوا من ناحية أخرى، وهي إنكار الحديث غير المتواتر، أو ما يسميه الشافعي حديث الخاصة، أو خبر الخاصة والنتيجة من الإنكار الثاني هي عين النتيجة من الإنكار الأول؛ لأن الأحاديث التي ثبت تواترها عددها محدود فيما عدا أصول الفرائض، والكثرة الكاثرة من الأحاديث النبوية أخبار آحاد، فإذا أنكروها فقد وصلوا إلى ما ابتغوا من الهدم مستترين بستار الاستيثاق من النقلِ عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الناقلين ثقات، لا تأتي الريبة إليهم، ولا يشكَ في نَقْلِهم، وقد جادلهم الشافعي في هذا الإنكار، كما جادلهم في الأول، وأفهمهم فيه كما أفهمهم في الأول، فسكتوا ولكن على نية الهجوم من جانب آخر، فهم خصوم متربصون، وليسوا طلاب حق مهتدين، ولنذرهم في ريبهم يترددون، ومهما يكن حالهم بعد مجادلة الشافعي لهم، فإنهم قد طووا في لجة التاريخ، وأخذتهم غمراته. وصاروا نسيا منسيا.

-4 –

ولقد كان ينتأ في التاريخ من وقت بعد آخر، رءوس كرءوس الشيطان تقول مثل ذلك الإفك، ولكن كانت صيحاتهم تذهب في واد، فلا يحس بها أحد؛ لأنهم لم يكونوا في لجاجة الأولين، وكانت السنة النبوية قد دُونت في صحاحها ونقحت رواياتها، ودرست دراية ورواية، ونقدت كما ينقد الصيرفي دراهمه، ولا تعلم الإنسانية عناية بدراسة المأثور من القول كما عنى بدراسة السنة.

ولكن قوى الهدم لا تزال متربصة مترقبة لا تألو إلا خبالا، وقد تجمعت تلك القوى في طائفتين:

إحداهما: طائفة إسلامية تؤمن بالله على حرف تخالف في منهاجها طريقة جمهور المسلمين، أو كما تسميهم العامة، تنكر السنة التي يعرفها الجمهور إلا ما يتفق مع ما عندهم، وهؤلاء أخذوا يهاجمون السنة المروية رواية صحيحة عند جمهور المسلمين، واتخذوا من أبي هريرة والطعن فيه سبيلاً لهدم غيرهم حتى إن بعضهم ليقول في أحد كتبه، حسبنا أبو هريرة لترد السنة كلها.

والطائفة الثانية: طائفة لا تؤمن بالله ولا برسوله، وهم الذين يسمون في الدراسات العلمية المستشرقين، وأولئك يدرسون الإسلام ليثيروا الشك حول حقائقه وينقلوا إلى أقوامهم ما يضعف شأن الإسلام ويوهنه ويطمس نورَه، ويطفئ ما ينير السبيل أمام معرفته.

وقد التقت الطائفتان على تخير بعض شخصيات الرواة، وتجعلها موضع هجومهم، وهدفهم المنشود لإطفاء نور الإسلام، فنالوا من الشخصيات البارزة من علماء المسلمين. وتناولوا نتائج تفكيرهم بالتوهين، وإنكار مزاياها، ولم يسلم منهم عالم، ولا تكاد تجدهم يثنون على عالم إسلامي ثناءً مطلقاً، ولنترك الطائفة المسلمة ولنتجه إلى الأخرى.

فنقول: لقد أراد الأوربيون نقض الإسلام من قواعده، فاختصوا السنة بالنقض والإنكار، فمنهم قومٌ أشاعوا القالةَ على السنة مطلقًا، وأنكروها إنكارًا مطلقًا، حتى لقد قال طاغوت منهم يوليه أمثالَه من المفسدين ثقةً مطلقةً؛ لأنه يأتيهم بما يَشتهُونَ، ويَبتغون، ولا يبغون إلا فسادًا، قال: إن السنة قد اصطنعت في القرن الثالث الهجري، وتلك فرية افتروها، فالسنة كانت معلومة يتلقاها العلماء. ولما أخذت تدونُ كانت مذكرات، فدونت السنة في أول القرن الثاني الهجري في موسوعات، وكانت من قبل تدون في مذكرات كانت المذكرات بها، في عصر الصحابة، ثم كثرت في عصر التابعين، ثم دونت في موسوعات في عصر الأئمة المجتهدين ومع هذا التاريخ الثابت، والحقَ الناصع، والبرهان الساطع لجوا في افترائِهم، فلتذرهم في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير