تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

طغيانهم يعمهون.

وجُلّهم قد اتخذوا أبا هريرة قنيصة لهم لينالوا الإسلام من جانبه، فرموه بأنه كذب على رسول الله تعالى وافترى، وأنه قال ما لم يسمع، ولم يهمهم أن يبقوا في تناقض، كيف يدعون اصطناع السنة في القرن الثالث وينسبون الاصطناع إلى صحابي كان في القرن الأول، ولكن التناقض لا يضيرهم مادام هدفهم الهدم والتشكيك، وإنارة الغبار، وتعكير الجو العلمي، فيخطبون باليمين وبالشمال مادام الهدم مقصدهم والتشكيك غايتهم، وطمس معالم الحق مبتغاهم، ومادام الذين يستمعون إليهم من أقوامهم يتبعون أهداءهم. وليس العجب من أن يقولوا، ويعظموا الافتراء، وإنما العجب أن يسموا ذلك منهاجًا علميا. وتدقيقًا في البحث والأعجب من كل هذا أن يجيء كتاب مسلمون، فيتبعوهم على غير علم، ويحسبوا أنهم يختارون منهاجًا أقوم، وسبيلا أهدى، وما يتبعون إلا الضلال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: 116] و إن أكثرهم لا يعقلون.

- 5 –

وماذا قالوا عن أبي هريرة الذي نَصَبوا له أدوات الهدم، وصوَّبوا إليه السهام؟

قالوا:كيف يروي تلك المجموعات الكبرى من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لم يصاحبه إلا أربع سنوات؟!

وكيف يؤخذ بها مع هذا الريبة ونقول لهم: إن مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم أربع سنوات ليست زمنا قصيرا، بل هي زمن طويل يكفي لرواية هذه المجموعات وأكثر منها، وبين أيدينا رواية كتب فقه الشافعي، لقد رواها الزعفراني عنه في بغداد في مدة دون هذه المدة، ورواها عنه في مصر الربيع بن سليمان المرادي في مدة تقارب هذه المدة، وهي مجموعات ضخمة، تتناولها مجلدات ضخام.

ولو علم أولئك الذين لا يتكلمون عن علم أن هذه السنوات الأربع التي استغرقت الجزء الأخير من حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت فيها الأحكام التكليفية العملية، ففيها نظمت العلاقات في المعاملات الدولية، والعلاقات الاجتماعية، والنظم المالية، وتقررت كل مبادئ الإسلام، فمن بعد غزوة خيبر استقرت الدولة الإسلامية، واتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيان النظم الإسلامية في الأسرة، والمجتمعات صغيرها وكبيرها، ببيان ما اشتمل عليه كتاب الله تعالى منها، وتبليغ رسالة ربه فيها من غير وهن ولا تقصير، فهذه السنوات الأربع هي خير سنوات الإسلام في بناء الدولة الإسلامية بالأحكام والقوانين.

وأن أبا هريرة رضي الله عنه، قد اختص من بين الصحابة بدوام الصحبة والملازمة، فقد كان كبراؤهم مع قيامهم بحق الجهاد، وعلمهم الكامل بحقائق الإسلام التي تلقوها عن الرسول: كان لهم أموال تشغلهم وأسر يرعونها، أما هو فقد كان من أهل الصفة الذين التزموا المسجد ليلهم ونهارهم، واختص هو من بينهم بأنه كان في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن ثمة ما يسوغ الشك في تلقيه أحاديث الأحكام كلها أو جلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان له ملازمًا وفيه ذكاء، وكانت الملازمة في وقتها، إذ نزلت في هذه السنين الأربع أحكام المعاملات والأسرة كما نوهنا.

6 –

وإذا كان المغرضون والمفسدون والعابثون والمُزورون، والمستأجرون قد نالوا من أبي هريرة، فقد تصدى لهم كتاب (أبو هريرة راوية الإسلام) وتتبع ما أثاروه من شبهات حول شخصه وعلمه فأزالها وجلى صفحة أبي هريرة نقية ظاهرة بعيدة عن كل ريب.

لقد تتبع حياته فقدم صفحة طيبة من سيرة رجل أمتاز بالطيبة والتقوى، أسلم عندما بلغه نبأ الدعوة المحمدية والنبي صلى الله عليه وسلم لم يهاجر، ولكنه لم يتمكن من الصحبة إلا قبل وفاة النبي عليه السلام بأربع سنين، ثم بين الكتاب حياته مع النبي وقربه منه.

ثم بين أمرًا جديرًا بالاعتبار والنظر، وهو أنه كان حريصًا على أن يستحفظ على كل كلمة يقولها النبي عليه السلام، ويراجعها بعد أن يغادر مجلسه، فما كان أبو هريرة يكتفي بالسماع، بل كان يراجع حديثه عليه الصلاة والسلام ويكرره في المسجد وفي الطريق وفي بيته ليلا ونهارًا ... قال أبو هريرة ((جزأت الليل ثلاثة: ثلثًا أُصلي، وثلثًا أنامُ، وثلثًا أذْكُرُ فيه حديثَ رسول الله)) [ص 58 من الكتاب نقلا عن ابن سعد].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير