تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

منها قول الله تعالى عن أهل الكتاب: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} [الأنعام 20]. ومنها قوله جل وعلا في حق آل فرعون: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} [النمل 13 - 14].

ولعل من أمثلة ذلك في السنة الشريفة قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه ناصر دعوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم وأقر بصحة دين الإسلام حيث قال منشدا:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم*****حتى أُوَسَّد في التراب دفينافاصدع بأمرك ما عليك غضاضة*****وأبشر وقرّ بذاك منك عيوناودعوتني وعرفت أنك ناصحي*****ولقد صدقت وكنت ثمّ أميناوعرضت دينا قد عرفت بأنه*****من خير أديان البريّة دينالولا الملامة أو حذار مسبة*****لوجدتني سمحا بذاك مبينا

فبالرغم من ذلك لم يُسلم حتى وهو على فراش الموت، ومات وهو يقول " هو على ملة عبد المطلب"، والنبي الداعية الأعظم صلى الله عليه وسلم بين يديه ويقول له: (يا عم قل لا اله إلا الله، كلمة أشفع لك بها عند الله) [رواه البخاري ومسلم].

ومثال آخر من السنة هو ما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره (أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام في المدة - أي صلح الحديبية - التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا. فقال أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا الرجل، فإن كذبني فكذِّبوه. فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه.

ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب. قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا. قال فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن في مدّةٍ لا ندري ما هو فاعل فيها. قال - أي أبو سفيان - ولم تُمكِنِّي كلمة أُدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.

فقال للترجمان: قل له سألتك عن نسبه فذكرتَ أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل ترسل في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتي بقولٍ قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت فلو كان من آبائه من ملك قلتُ رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بم يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدميَّ هاتين. وقد كنتُ أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.

ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير