ومن الأحاديث ذات الدلالة على تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حديث خباب بن الأرت في صحيح البخاري حيث قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة - قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ قال: كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه. والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، و الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون). [صحيح الجامع مجلد رقم 3 - 4 برقم (4326)].
5 - تبني السلوك القويم و الثبات عليه: إن هذه المرحلة تعتمد اعتمادا كبيرا على المرحلة السابقة، فهي نتيجة متوقعة لتجاوز المرحلة السابقة. ومع ذلك فإن الثبات على السلوك الصحيح يحتاج إلى مزيد من المتابعة والتعزيز من قبل الداعية. فإنه لا يؤمن على الإنسان من الكسل والفتور. والمتأمل في كتاب الله تعالى يجد أن آيات الله لم تكف عن دعوة المؤمنين للإيمان وتحذيرهم من الشرك ومن المعاصي وذلك بعد أن حققوا الإيمان في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم، وبعد أن جادوا بأرواحهم رخيصة في سبيل الله.
ففي سورة الحديد يخاطب الله المؤمنين وهم في دار الهجرة بعد أكثر من ثلاث عشرة سنة من البعثة وبعد أن خاضوا غزوة بدر الكبرى يقول لهم: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد 16].
وفي سورة الحشر يأمر الله المؤمنين بالتقوى فيقول جل من قائل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} [الحشر 18 - 19].
وفي سورة النساء يقول سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدا} [النساء 136].
كيف يكون إلقاؤك مؤثراً؟ أولاً:- أسس لابد منها:- 1 - الإخلاص لله تعالى: يقول الله تعالى: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة5]، ويقول جل من قائل: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله، وقولوا قولا سديدا} [الأحزاب 70]، فأمر سبحانه بتقواه أولاً، ثم القول السديد المستقيم الموافق لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) [رواه البخاري فتح الباري كتاب بدء الوحي المجلد الأول رقم الحديث (1)].
فما كان الله ليبارك في عمل لم يرد به صاحبه وجه الله. ففي الحديث القدسي يقول الله سبحانه وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) [صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4189 المجلد 3 - 4].
وروى مسلم أيضا في صحيحه حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، المقاتل ليقال جريء، والمعلِّم ليقال عالم، والمتصدق ليقال جواد [رواه مسلم 6/ 47].
وكما أثر عن سلفنا الصالح أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه تعالى وموافقا لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
2 - اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كلامه وخطبه وأحاديثه: هذا هو الشرط الثاني من شروط قبول العمل، ولا ريب أن عملا لا يقبله الله لا يمكن أن يكون مؤثرا في الناس تأثيرا يرضاه الله. كما أن الله قد علم نبيه أفضل الطرائق والأساليب لدعوة الناس إلى دين الإسلام، فهو صلى الله عليه وسلم خير متبوع في هذا الأمر وفي كل أمر. يقول الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} [آل عمران 31]. ويقول تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} [الأحزاب 21].
¥