عُرِفت - رضي الله عنها - بزهدها وكرمها وجرْأتها في الحق وجهادها، وأعطتِ القدوة في كل ذلك - رضي الله عنها - والشواهد كثيرة، لكنَّ المجال لا يسعفني هنا لإيراد المزيد منها، ولذلك سأنتقل إلى المبحث التالي.
المبحث السادس ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#6): ثقافتها - رضي الله عنها - ومكانتها العلمية: ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#6)
لقد أهَّلتْها نشأتُها في بيت أول مَن آمن بالدعوة المحمدية، وانتقالها فيما بعدُ إلى بيت صاحب الرِّسالة - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث اكتمل نضجُها، وتفتَّحت آفاقها المعرفية، واستوى تكوينها، كلُّ ذلك أهَّلها لتكونَ عالِمةً بأحكام الدِّين، وقمَّة سامقة فيما يتعلَّق بالسُّنة، ورواية الحديث، ويدلُّ على ذلك مروياتها في الكتب السِّتَّة، وغيرها من مصنفات الحديث.
تُعدُّ - رضي الله عنها - من المكثرين، ويبلغ مسندُها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتَّفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستِّين [17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn17).
ومن مزاياها: أنَّها كانت تجتهد في بعض المسائل، وتستدرك بها على علماء الصحابة، وفي ذلك ألَّف الإمام الزركشي كتابًا خاصًّا، سمَّاه "الإجابة لإيراد ما استدركتْه عائشة على الصحابة".
كانتْ غزيرةَ العلم، موسوعية المعارف، عن أبي موسى الأشعري قال: "ما أَشْكَل علينا - أصحابَ رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم - حديثٌ قطُّ، فسألنا عائشة عنه إلاَّ وجدْنا عندها منه علمًا" [18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn18).
وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال: ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بسُنن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أفقهَ في رأي إن احتُيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلتْ، ولا فريضة - مِن عائشة [19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn19).
وغيرُ هذه الشواهد كثيرة، وهي لا تؤكِّد إلا حقيقةً واحدة، وهي أنَّ أم المؤمنين عائشة هي - بحقٍّ - أفقهُ نساء الأمَّة على الإطلاق، وأغزرهنَّ علمًا.
المبحث السابع ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#7): الحب والغَيْرة في حياة عائشة: ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#7)
لقد كانت - رضي الله عنها - متميِّزة بعِطر الحبِّ الذي يغمرها في بيته - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى إنَّها ما كانت تحدِّث عنه إلاَّ بذلك التعبير الشفَّاف "حِبِّي رسول الله قال كذا"، وكانت عائشة واثقةً من مكانتها في قلْب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّها هي الأثيرة عنده.
ولكنَّها في كلِّ الأحوال أنثى، كانت تتملَّكها الغَيْرة من أن ينبض هذا القلْب الكبير بحب آخَرَ، فقد كانتْ في بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تنصت إليه بإمعان، وتَعقِل ما يقول، وترفع إليه حوائجَ ذوي الحاجات، وتردُّ عليهم بما يُريد، وتنام مبكِّرة بليل، ويَبيت يصلِّي قريبًا منها، وإذا ما أراد السجود غمزَها لتتنحَّى قليلاً؛ كي ما يجد موضعًا يضع فيه جبهته السمحة [20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn20)، وربَّما استيقظتْ من نومها، فتبحث عنه ولا تجده مكانَه، فتغلي سَوْرة الغَيْرة في نفسها، ثم لا تلبث أن تهدأَ حين تسمعه يصلِّي قريبًا منها، وأحيانًا تغاضبه، وتحاول مع بعض صديقاتها من نسائه أن تحتالَ عليه [21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn21).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند بعض نسائه، فأرسلتْ إحدى أمَّهات المؤمنين بصَحْفة فيها طعام، فضَربتِ التي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بيتها يدَ الخادم، فسقطتِ الصحفة فانفلقتْ، فجمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فِلقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصَّحْفة، ويقول: ((غارت أمُّكم))، ثم حبس الخادِم حتى أتى بصحفة مِن عند التي هو في بيتها، فدَفَع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرتْ صحفتُها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت" [22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn22).
¥