[الوقت و أهميته]
ـ[محمد الشوربجي]ــــــــ[20 - 10 - 10, 09:11 ص]ـ
الحمد لله خالق الزمان و مدبره، و الصلاة و السلام على مزيل الصنم و كاسره، و على آله و صحبه و كل مَن مِن بعده وقّره، أما بعد
لا ريب أن الوقت في أيامنا مع هذا التقدم التقني الهائل أصبح أثمن مما كان عليه في الماضي، فإيقاع الحياة بات سريعاً و الوقت أضحى من الموارد المحدودة التي تخضع لقانون الفرصة البديلة و الذي يجبر الشخص على أن يختار أفضل استعمال لهذا المورد المحدود، فبعض الباحثين -كما نقل الدكتور عبد الكريم بكار- يشير إلى أن أكثر من 90% من المعلومات المتداولة اليوم قد تم تحديثه خلال العقود الثلاثة الماضية. و ذكر علماء آخرون أن الكتاب يفقد 10% من قيمته سنوياً، و أن المجلة تفقد 10% من قيمتها شهرياً، و أن الجريدة تفقد 10% من قيمتها يومياً ... و ذلك لأن المعلومات اليوم سرعان ما تتعرض للشيخوخة بسبب التقدم التقني و العلمي السريع
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال؛ عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟
قال الألباني: رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح واللفظ له
و في الحديث يشير خير خلق الله صلى الله عليه و سلم لأهمية الوقت ذاكراً إياه تارتين؛ تارة بالعمر و أخرى بالشباب، مع أن الشباب جزء من العمر و لكنه ذكره تخصيصاً لهذه الفترة و التي يكون فيها الإنسان في أوج نشاطه و حيويته لذا فهي أهم مراحل العمر الدنيوي
لذا أراه من العجب أن يشكو شاب أو شابة الملل و عدم وجود نشاطات يقوم بها، فيقضي ساعاته أمام تلفاز أو على حاسبه الآلي فاعلاً اللا شيء ...
تمر بنا الأيام تترى وإنما ... نُساق إلى الآجال والعين تنظرُ
فلا عائدٌ ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زال هذئا المَشِيبُ المكدَّرُ?
يقول الشاعر محمد حسن ظافر الهلالي:
الوقتُ أغلى من الياقوتِ والذهبِ ... ونحن نَخسرهُ في اللهوِ واللعبِ
وسوف نُسأل عنه عند خالقِنا ... يوم الحسابِ بذاك الموقفِ النّشِبِ
نلهو ونلعبُ والأيامُ مدْبِرةٌ ... تجريْ سراعاً تُجِدُّ السيرَ في الهربِ
و لذا قال صلى الله عليه و سلم:
نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ
رواه البخاري
و قال ابن حجر في فتح الباري:
من لا يستعملهما –أي النعمتين- فيما ينبغي فقد غُبن لكونه باعهما ببخس، وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:
يسر الفتى طول السلامة والبقا فكيف ترى طول السلامة يفعل؟
يرد الفتى بعد اعتدال وصحة ينوء إذا رام القيام ويُحمَل
انتهى
و يقول الحسن البصري:
المبادرة المبادرة! فإنما هي الأنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز و جل. رحم الله امرأً نظر إلى نفسه و بكى على عدد ذنوبه. ثم قرأ (إنما نَعُدّ لهم عدّاً) وقال: يعني الأنفاس، آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك. انتهى
و قد قال ابن الجوزي في صيد الخاطر باب المحافظة على الوقت:
ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة. ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل. ولتكن نيته في الخير قائمة، من غير فتور ربما لا يعجز عنه البدن من العمل، كما جاء في الحديث: نية المؤمن خير من عمله. وقد كان جماعة من السلف، يبادرون اللحظات.
فنقل عن عامر بن عبد قيس، أن رجلا قال له: كلمني، فقال له: أمسك الشمس. وقال ابن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي، فقال: يا بني دعني، فإني في وردي السادس. ودخلوا على بعض السلف عند موته، وهو يصلي، فقيل له. فقال: الآن تطوى صحيفتي.
¥