الفرع الثاني: حفّاظ المفردات: يراجع فيه الطالب محصل المتفق عليه مع ضبط الحاشية الخاصة بلفظ مسلم؛ وذلك بمراجعة أربعين وجهاً يومياً، ثم يحفظ المفردات (جزأين)، بحفظ عشرين وجهاً يومياً.
الفرع الثالث: حفّاظ السنن: يحفظ من حفظ الصحيحين زوائد محصلِ السنن الأربعة ومالك والدارمي (4 أجزاء)، وذلك بحفظ عشرين وجهاً يومياً.
الفرع الرابع: حفّاظ المسانيد: يراجع فيه محصل السنن، وذلك بمراجعة أربعين وجهاً يومياً، ثم يحفظ محصلَ زوائد المسند (جزأين)، وذلك بحفظ عشرين وجهاً يومياً.
الفرع الخامس: استظهار المعاجم والمصنفات والزهديات والأدبيات.
* لماذا هذه الكتب حصراً؟
الكتب التي اعتنت باختصار أحاديث السنة كثيرة، وبعضها مصنَّف بأيدي أئمة جهابذة، ولكن الغالب عليها أنها لم تصنَّف للحفظ؛ فكانت الحاجة إلى جمعٍ للأحاديث يهتم بالصناعة الحفظية قبل اهتمامه بالصناعة الإسنادية أو الفقهية، فكانت هذه الكتب المذكورة.
غير أن النسخة الحالية هي في صورتها الأولية، ولم تخرج للمكتبات بعدُ، وهي قابلة للتنقيح والتعديل ولإبداء الملحوظات العلمية.
* لماذا لم يجرِ اختيار الكتب المتعلقة بأحاديث الأحكام فقط؟
إذا اتفقنا على حفظ كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فالحمد لله، وتأتي المفاضلة بين الأولويات بعدُ.
ولا ينبغي أن نجعل طرق الاجتهاد في حفظ السُّنة – التي أمرت بالائتلاف - طرقاً للاختلاف، ومن أثقل الأشياء أن يتنازع طلاب العلم كما يتنازع تجار البضاعة الواحدة.
فكان المقصد جمع أصول الحديث في الأبواب المختلفة؛ دون الاقتصار على الأحكام الاصطلاحية، والمسلم - فضلاً عن طالب العلم - بحاجة إلى مجموع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبواب الفقه والتفسير والأدب والرقائق والسيرة وغيرها؛ لأن صلاح النفس بمجموع ذلك، كما أن كمال العلم بمجموع ذلك، خاصة أن طلاب العلم لا يقتصرون على طلاب الفقه الاصطلاحي.
حتى الفقه - مثلاً - لا يختص بأحاديث؛ بل يؤخذ من أحاديث المغازي كما يؤخذ من أحاديث التفسير وأحاديث الرقائق ... وهكذا التفسير والتوحيد؛ فمواطن الاستدلال تتعدد.
ثم إنه لا يشترط حفظ جميع الحديث النبوي من قِبَل جميع طلبة العلم، بل نقول: إن القدرات تتفاوت كما أن الهمم تتفاوت، وقد يعجز طالب العلم عن حفظ الجميع لشغل أو كسل أو ضعف، لكن ما دام حفَّاظ الدورة في نشاط الشباب وفي الهمم العجاب فلماذا نثبِّطهم عن حفظ الحكمة البالغة؟ بل هي من أَنْفس ما بُذِلت فيه الأنفاس.
* لكن ألا ترى أن حفظ عشرين وجهاً في اليوم صعب جداً؟
هناك حاجز وهمي، ولكل طريق مائة عقبة؛ تسعون منها قبل البداية، والأمر كما قال أبو الطيب:
كل ما لم يكن من الصعب في الأن فس؛ سهل فيها إذا هو كانا
وقد أثبتت التجربة إمكانية ذلك لمن وفَّقه الله للحرص، وقد حفظ في الدورات المئات ومنهم من هو دون البلوغ، ومنهم من هو فوق الخمسين! من قضاة وأساتذة في الجامعات وأطباء ومشرفين تربويين وأساتذة فضلاً عن طلاب الجامعات.
وحِفْظُ عشرون وجهاً ممكن مع الحرص والتفرغ والبيئة المشجعة، بل كثير من الحفاظ يزيدون على العشرين وجهاً في اليوم إلى ثلاثين وأربعين، ومنهم من يصل إلى الستين ويزيد؛ مع الضبط التام، وكل هذا رأيناه.
وحديث صدق عنك أفرط حسنه حتى ظننا أنه موضوعُ
* لكن ربما كان هؤلاء أصحاب نبوغ.
أعتقد أن نبوغهم الحقيقي هو في استعانتهم بالله تعالى، وكسرهم حاجز الوهم، وتجاوزهم عقبة التثبيط، وأما قدراتهم فلن أقول: إنها عادية؛ لكن أقول: إنها لا تزيد عن كثير من محبي العلم الذين رهبوا.
وعامة من شارك في الدورة يتوهم أن الأمر صعب وأنه لا يقدر؛ ويخرج من الدورة ولسان حاله يقول:
ومن لم يجرِّب ليس يعرف قدره فجرِّب تجد تصديق ما قد ذكرناهُ
* ماذا عن الكلمة المشهورة: ما حُفظ سريعاً نُسي سريعاً؟
ما حُفظ سريعاً ثم رُوجع سريعاً ثبت سريعاً بإذن الله، فلا غنى للحافظ عن المراجعة؛ بل ينبغي له أن يحفظ محفوظه بالتكرار، وأن يعود عليه مع كرِّ الليل والنهار.
نعم! لن تكفي الدورة للحفظ، كما لا تكفي من يحفظ خارج الدورة خلال سنة وسنتين وخمس، وسواء حفظ الحديث في شهر أو حفظه في قرن؛ لا بد له من المراجعة.
¥