و بين هذه الافراح و تلك كانت الصغرى تلو الصغرى ... ففرحت حين اممّت الناس في الصلاة ... حين خطبتُ بهم خطبة الجمعة و انا ابن السابعة عشر ....
و فرحت حيت عقدتُ عقد القران و تزوجتُ بميراي زوجي الوقور ....
و كم كنتُ اجهلُ انهّ سيأتينني امتحان قاسٍ ... تمنّيت بعدها ان اكون نسيا منسيّا ....
اقتدوا بتلك الخصال الحسنة و دعو الخصال السئية فانا بشر اخطئ و مغمور بالذنوب ....
فلا تُلقوا اللوم عند حديث اليكم بما هو اُخالفه و لا ارضاه .... و لكنه الامتحان و الفوز او الخسران ....
تزوجت لابْني و ارفع القواعد لعبد الرحمن .... انتظرته سنة و اخرى و ثنتان بعدها ....
انقلبت حياتي الى جحيمٍ .... انتبهوا فقد اعلمتكم ان هذه صفات لا ارضاها و لكن ادوّنها للتاريخ و للعظة ....
و اثّر هذا كله على طبيعتي ادركها من كان قريبا مني .... و بتّ المجنون المعافى ... و الاصمّ السميع ... و البكم الطليق!!!!
و جاءت البشرى ... و نزل المطر من السماء ... فكان كالصاعقة حيث فيه البرد و الامن و الامان ....
عدتُ مساءً الى منزلي ... و اذا بزوجي يغمرها الفرح فلا تكاد ترى جارحة منها الاّ ينقصها الحديث و بدوّ مقدمة الاسنان ... ماذا دهاك يا امة الله؟؟؟
فكنتُ ادرك طبيعة فرحها بالتخيلات لا القرائن ... و لكنني تعودت ان اضع الامل جانبا خوفا من المفاجأة ....
انني حامل .... انني حامل .... كلامات لم اتعوّد على سمعها .... بل صليتّ عليها صلاة الجنازة و دفنتها في البقيع حيث الصحابة ....
فكان اللقاء حارا و الخبر سارا .... و بصيص النور و مكان النظر اراد ان يعبّر عن فرحتي ... و لكنني لا احبّ ان يرى احدا دمعة عيني ....
فخرجت مسرعا الى الشرفة .... ابتعدت قليلا عن مكان بهجتي ... اريد ان اختلي بنفسي ... اريد ان اعاتبها و اؤنبها .... اريد ان اشكر الباري اريد ان اضع الجبهة على الارض موضع القدم .....
لذا خرجت مسرعا .... فمن فطنة زوجي تركتني قليلا .... ما اقصرك يا ساعة ... كنتِ تمرّين عليّ احسبك دهرا ... فما بالك اليوم اسرع من رياح سليمان!!!!
مرّت هذه الساعة على خلوتي كانها عابر سبيل ...
غسّلت وجنتاي و لحيتي بدموع الفرح!!! و اول المرة امارس دموع الفرح ..... قرأتُ الكثير ان للفرح دموع و لكنني جهلتُ ماهيتة و لّذّته!!!!
فبعدما غسّلت الوجه و استنشقت و تمضممتُ من هذه الدموع فكانت بمثابة وضوء المسلم ...
و الاسلام عوّدنا ان نأتي بالفاظ عقب العبادات فكان اول كلامي نطق به اللسان:
(((لا استحقُّ هذا يا رب .. ما اكرمك خالقي و ما احلمك ... لا استحق غير النار ... )
و عدّت الى داخل المنزل و ظننتُ انّ بريق الموقف و جفاء الدمع ذهبَ باثاره ... فنظرتُ الى المرآة لارى وجها لم اعتاد على مثله ..... فتنكرتْ لي العيون و انكرتها فلم اعد اعرفها و لا الوجه ....
ما زالت آثار دمع الفرح متناثرة و متلاشية!!!!!
فاذّن المؤذن لصلاة العشاء الاخرة ... فانتهزتها فرصة للخلوة مرة اخرى ....
فتغيّر كل شيئ من امام و عند حركاتي و سكناتي .... فوالله شعرت انني في مكان لا اعرفه و حتى الاشخاص من حولي جهلتهم .... فلا سلام و لا كلام .... صليّت و عدتُ الى البيت .....
و انتظرتُ صباح يوم الغد ... ليكون اليوم الاول اعيشه مع عبد الرحمن حيث هو نطفة!!!
و لم اتوقع ان زوجي و باشارة الطبيب يلزمها الرقود شهرا تاما .... انه الحمل غير مستقر ....
و لم يمرّ الاّ ايام قلائل الا و الصاعقة كاصاعقة عاد و ثمود تطرق اذني .... ذهبت الاماني و الامنيات .... ذهب عبد الرحمن ....
و تعانق دمعي بدمعي زوجي ... و صبّرتها في موطن احوج فيه الى من يصبّرني ... و اختليت بنفسي مرة اخرى ....
و شتّان ما بين الخلوتين .... الدمع هو الدمع و الخلوة هي الخلوة و لكن الهدف مغاير ....
و مرت السنوات و اصبحت بمجموعهنّ سبع شداد كسنين يوسف ...
و كرهت حتى نفسي .... و تمكّن الشطان من شخصي ... و توالت عليّ المحن لم اهنأ بعيش فانا بين المرض الجسدي و الاخر الروحي ....
فكانت سبعا لم اذكر بها يوما انني كنت معافا!!! بل الامراض تأتي مزدوجا ..... و تعودت بل كرهت بطبيعتي الذهاب الى الاطباء ....
و حتى عدم اظهار اي مرض امام الناس و من رآني اعتقد انني في صحة جيدة ....
و اكرر لا تلومني فانني ملام!!!! كرهت كلَّ الرُّضع .... و اي امرأة تحمل بين عضديها طفلا فلن تجد المبيت و لا دخول داري ....
¥