[مشاهدات وليالي في حاضرة الإسلام (دمشق) ... حيث ينتهي تاريخ الأرض وينزل المسيح .. ...]
ـ[خضر بن سند]ــــــــ[27 - 10 - 10, 10:29 م]ـ
في السادس عشر من شعبان عام 1431 قمت بزيارة لبيروت ودمشق.
مكثت في بيروت يوماً ونصف , وقضيت عشرة أيام في دمشق العظيمة.
دمشق ..... حيث ينتهي تاريخ البشرية هناك , وينزل عيسى ابن مريم هناك.
دمشق حيث أشرقت حضارة الإسلام , دمشق تلك المدينة الندية الطيبة التي لولاها لما كانت حضارة الأندلس وبغداد.
لولا دمشق لما كانت طليطلة ..... ولا زهت ببني العباس بغداد
يخيل إليك وأنت تمشي في شوارع دمشق القديمة أنك تعيش التاريخ الغابر , تتنفس هواءه وترى شخوص أصحابه , في هذه الزواريق (جمع زاروق وهي الأزقة) القائمة إلى اليوم , هنا عاصمة مملكة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه-.
ستقرأ حتماً أخبار المعارك الحاسمة التي حصلت في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , وستسمع بنفسك عن مقولة هرقل ملك الروم يوم خرج من دمشق حزيناً وهو يقول: (وداعاً يا دمشق ... وداعاً لا لقاء بعده) , سيحدثك الناس عن هروب هرقل وتسليمه لدمشق , سيحدثونك عن تحول دمشق من عاصمة النصرانية لتصبح عاصمة الإسلام , سيحدثك الناس عن المدينة التي احتضنت البشرية على اختلاف مللها ومذاهبها , وقامت على ثراها حضارة الأرض الجديدة العظيمة.
ستشاهد جموع الناس في سوق قديم فتظنهم هنا يصطفون لعبد الملك بن مروان , تريد أن تقف لتشاهد الخليفة وهو يمر عبر الشوارع , ترفع أصابع قديمك وكلك شوق وترقب لترى مواكب الخلفاء الأمويين وهم يعبرون الشوارع فرحين بعد الفتوحات الإسلامية.
ستشاهد بقايا غبار خيول المسلمين وهي تسير لتفتح ممالك الأرض , تسير لتنشر العدل والنور والهداية للبشرية.
حسناً بإمكانك أن تنظر أمامك .....
أنظر وتأمل ...........
.... هنا كان يقف الخليفة المسلم يودع الجيوش الفاتحة , الجيوش التي تنقذ الناس من العبودية لغير الله ,سيتغير لون بشرة وجهك , وسيقف شعر راسك لهيبة الموقف العظيم , وربما تجرأت على أمر نفسي فرضه الواقع , حيث ستصرخ أمام الجموع الحافلة والحاشدة بكل صوتك:
حضرات السادة الخلفاء .... حضرات القادة العظماء, أيتها العساكر المسلمة المتوضئة الطاهرة اسمحوا لي بسؤال من قلب مكلوم!! , اسمحوا أن أقول بأعلى صوتي ... هل لا زلنا أقوياء يخافنا الشرق والغرب؟؟؟ هل جيوشنا الحاشدة تهابها أمم اليوم في الأرض؟؟؟ أجيبوا بربكم وأسمعوني بالله عليكم!!.
ستصرخ حتى تتقطع أنفاسك كمداً وغيظاً وقهراً , وستسيل دموعك حتى تبتل الأرض من تحتك , ولن يجيبك إلا صدى البيوت القائمة التي تشهد على الأجيال العربية والإسلامية المتأخرة بالخزي والعار.
سيتمثل لك في هذه الزواريق شخص ابيض ملئ حياء وديناً وخلقاً , سيخيل لك أنه عمر بن عبد العزيز ذلك الخليفة الأسطورة الخالدة , ستراودك نفسك لو رأيته على حقيقته أن تبكي أمامه دماً أحمراً قانياً , اقسم لك أنك لن تتردد بل ستتشرف أن تقبل يديه وتطبع قبلة على جبينه الطاهرة , ستسمع هنا ثناء الناس عليه ومحبتهم لهذا الخليفة العادل المتواضع.
تتسابق أنفاسك , وأنت تمشي بجوار مسجد قديم حتى لتكاد أن تسمع صوت النووي و ابن تيمية وابن القيم وهم يدعون الناس للخير والهدية , هنا ترى المزي وابن تيمية وابن عبد الهادي وابن رجب وهم يحاربون الخرافة والضلالة , سيحدثك الناس عن سجن الأنظمة الظالمة لأبي العباس ابن تيمية , سيحدثك الناس عن الظلم الواقع عليه , وسيحدثونك أيضاً عن رحمته وصفحه عن خصومه , لن تسمع منهم أنه طالب بسجن خصومه أو طالب بتعويض عن الأذى الجسدي والمعنوي الذي لحقه جراء الخصومة الفاجرة , بل ستعجب عندما تسمع حديثهم عن دفاعه عن مملكة الإسلام وجمعه الفقهاء بكل مذاهبهم واختلافاتهم تحت راية واحدة للجهاد ضد الغزاة , سيخبرونك أنه كان رأساً في العلم ورأساً في الشجاعة ورأساً في الزهد والورع.
¥