• اسمعوا مرة أخرى: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات , الحق أقول لكم إنكم بما فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم ...
• أحبوا أعداءكم , باركوا لاعنيكم, أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.
• إن كل من يرفع نفسه يوضع , ومن يضع من قدر نفسه يرفع ...
• طوبى للمطرودين من اجل البر لأن لهم ملكوت السموات.
• طوبى للرحماء لأنهم يرحمون.
• ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السماوات أمام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون , ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل.
• أيها القادة العميان الذين يتورعون عن البعوضة ويبلعون الجمل ...
• انتم ملح الأرض, ولكن أن فسد الملح فبماذا يملح , لا يصلح بعد لشيء إلا لان يطرح خارجا ويداس من الناس.
كم سأكون سعيداً لسماع تلك العبارات الخالدة , خاصة وأنا اسمعها الآن مباشرة من فم السيد العظيم المسيح عليه السلام ...
كم سيكون منظره رائعاً وهو يعطينا الخبز المبارك بيديه على الجبل ... أو يعطينا الماء ويسقينا بيده.
في غمرة تلك السكرة الجميلة , والفناء في الفكرة , سمعت صوتاً قوياً يسألني وقد رآني أغرقت في التفكير ونسيت الناس والشارع والزحام , هييييه مالك يا أبا صالح؟؟.
قلت لرفيقي في الرحلة: لقد سافرت في عالم نظيف وجميل وراقي , إنه عالم المسيح عيسى عليه السلام.
سكت هو برهة من الوقت وسرح به خاطره , وقال بصوت كسير: لعنة الله على الظالمين ..
ثم تلوت عليه الحديث الصحيح الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة كثيرين " يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ ".
وفي حديث آخر متواتر: " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، وَإِمَامًا عَدْلاً، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ".
قال رفيقي: ولكن هل تنفع الأحلام أم العمل؟.
قلت له: يا صاح الأحلام والأمل رحمة من الله , ولو فقدناها لفقدنا لذة الحياة , وإنما المكروه هو الإغراق فيها , والتمادي معها حتى تسلبك القوة على العمل.
وهكذا أردت أن أتحدث عن دمشق ووصفها , وسبقني قلمي للحديث عما في النفس , فآثرت أن تنتهي الحلقات , وتقف الكلمات , فليس بعد عيسى عليه السلام كلام.
ولقد كان يجول في نفسي أن أتحدث عن الأسواق الجميلة الفسيحة في دمشق, عن الحميدية ذلك السوق الدمشقي العظيم الفاخر , أو سوق مدحت باشا بروعته وبهائه , أو سوق البزورية الذي فيه الأعشاب الغريبة والنادرة.
أردت أن أتحدث عن الغوطة وبساتينها والليالي التي قضيناها فيها , وأن أخبرك عن عجبي من ملاصقتها لدمشق , وكنت أظنها بعيدة عنها , أردت أن أخبرك وأصف لك أيها القارئ النبيل أننا في آخر الزمان ستحترق أرضنا وتلتهب , وتخرج نار من قعر اليمن في عدن لتسوقنا إلى الشام!! فخيرٌ لنا أن نأتي بكرامتنا الآن قبل أن نقاد بالنار رغم أنوفنا!!.
أردت أن أتحدث عن ليالي السمر الخيالية على جبل قاسيون وأن اصف لك جماله وبهائه , وأن اخبرك عن روعة الأفكار وهي تهب مع نسائم الليل الباردة قبل الفجر على سفح قاسيون وبين يديك كتاب وكأس شاهي ورفيقٌ عالم وشاعر وأديب.
أردت أن اصف لك عظمة المنظر وروعته وأنت تغمس قدميك في الهواء الدمشقي الرحب , وتستمتع بالنظر وانت تشاهد دمشق وغوطتها ومساجدها وبيوتها من بعيد.
ذلك الطود الشامخ والجميل الحنون الذي يحمي ويحرس دمشق ... إنه جبل مثل جبل (أحد) تماماً , عريض يحيط بالمدينة ويحرسها , ولكن الفرق أن قاسيون اخضر وجميل مليء بالشجر و وهو مطروق ومسلوك , وله طريق إلى أعلاه تستطيع أن تنظر منه على دمشق الجميلة وهي تتلألأ ليلاً تبدي سحرها ومفاتنها وبراءتها للناس , وخاصة في لحظات الليالي الجميلة الباردة , وهي لحظات من لم يذقها في دمشق لم يعرف معنى وطعم دمشق ....
أردت ان اتحدث عن معرض دمشق الدولي للكتاب الذي حضرته , وأنه لا يقارن بمعرض القاهرة ولا يساوي ربع معرض القاهرة.
أردت أن أتحدث عن دمشق بلد العلماء والمحدثين والفقهاء والمفسرين ومن وجدنا فيها , ولعمر الله لولا العلماء والأدباء لذهب طعم الحياة.
أردت أن أتحدث عن الصالحية وعبق التاريخ فيها بدءً من المقادسة وابن قدامة ومن تلاهم , وأن أتحدث عن دومة وأثر الحنابلة فيها , وعن الميدان وأهله وعلمائه والحلوى الشامية , وأن أحدثك عن المواقف الغريبة والطريفة من النصب والاحتيال التي حصلت لنا مع أهل حارة (جوبر) وما يقوله الناس تندراً وظرفاً لا قيمة له في الواقع , ولكنه يحكى في المجالس: (يهود خيبر ولا مسلمي جوبر).
أردت أن اكتب عن وصف البيت الشامي وما فيه من ترتيب وحسن تدبير وصناعة , وعن المطعومات الشامية وجودتها واختلافها عن سائر المطعومات في أقطار العرب.
كنت أريد أن أصف باب توما حيث نصارى الشام هناك , واصف أهلها والمذهب الذين هم عليه , وابرز علمائهم ورهبانهم عبر التاريخ , وأكتب دراسة عنه مفصلة أتحدث عن سماحة الإسلام وقدرة أهله على احتضان الأديان والطوائف أكثر من ألف وأربعمائة سنة باحتراف بالغ ..
أشياء كثيرة كنت أود أن أنشرها الآن.
ولكنني مع عظمة المسيح عيسى ابن مريم آثرت أن أقف على ذكره فقط ..
فعليه وعلى أمه السلام .......
والحمد لله رب العالمين ....
خضر بن صالح بن سند
جدة 25/ 11/1431
¥