تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[خيارت الخصوم للأنبياء]

ـ[أبو مارية الشامي]ــــــــ[30 - 10 - 10, 06:57 م]ـ

[خيارت الخصوم للأنبياء]

(إسقاطات على الواقع)

إنه لمن موجبات التوفيق ومواطن التشريف أن يتأمل العبد كتاب الله جل وعلا مستلهما الدروس والعبر يرشف من معينه ويغرف من بحره مرتكزا في تصوراته ومنطلقاته عليه ... كيف لا وهو الكتاب الذي حوى الخير كله وأجمعه {كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته ... }.

وعبادة التدبر ليست مقتصرة على جانب دون آخر كما يحلو ذلك للإنتقائين ممن يبعضون الكتاب بل منهج الأنبياء في الدعوة وأولوياتهم ومعالجاتهم للمعوقات التي اعترضت دعوتهم والخيارات التي تلقوها من خصوم الدعوة من الأمور التي هي حقيقة بالتأمل والتدبر والوقوف عندها مليئا.

وما أكثر ما قد كتب في تبيين منهج الأنبياء الدعوي ولكن قل من يشير منهم إلى أبعاد الخيارات المطروحة من الخصوم، وفي نظري القاصر أن الإعراض عن التركيز في هذا الجانب راجع إلى معياريته الدقيقة والحادة والتي يبدأ المتلقي بعد عملية عقلية سريعة بإسقاط هذا المعيار على صاحب الطرح نفسه؟؟؟ ولذا فتحاشي هذا المعيار يبقي لمعان صورة الداعية المزيف الذي يدعي تطابق منهجه ومنهج الأنبياء دون أن يمس بشائبة شك أو توجس.

فهيا بنا نحاول تأمل هذه الخيارات واستشعار وطأتها على الضمير والوجدان فضلا عن وخزها الرهيب لواقع الرسل عليهم الصلاة والسلام ... مع أني على يقين تام أن استشعار آلام هذه الخيارات التي خلدها الله في كتابه لا يتحقق إلا بعد وجود رصيد مماثل من الألم عند القارئ بحيث يقوى الإستشعار أو يضعف تبعا للرصيد المتحقق

{وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين}.

إن منهج الأنبياء لا يعرف نقاط التقاء أو يرضى بأنصاف الحلول، فالمنهج الصحيح لا يلتقي ومنهج الخصوم في شيء ... فالإقصاء بدرجاته أو التبعية بدركاتها هي الخيارات المطروحة على طاولة الحوار مع الرسل عليهم السلام .... وقد يوضع الرسول الكريم أمام خيار لا مفر له منه وذلك عندما يلمس الخصوم صلابة أسطورية {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين*قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}.

وثم سؤال يثور بين جوانحي وما زال يجوب سماء وجداني ويطحن في عقلي طحنا؛ لماذا ألقي إبراهيم عليه السلام في النار؟؟

أما كان بمقدوره عليه السلام أن يؤجل أو يبعد العامل المثير للخصوم-المتمثل في إظهار البراءة من المشركين وتسفيه أصنامهم وتحطيمها-مُمنياً نفسه ببعض المكاسب الدعوية التي ستتحقق جراء ذلك التأجيل أو الإبعاد ...

أما كان بمقدوره أن يفعِّل فقه المصالح والمفاسد لينجو من لهيب النار وجحيمها ...

هكذا أخي في الله هي خيارات الخصوم للأنبياء وهكذا هي ملة إبراهيم ...

حاول مرة أخرى أن تتأمل كيف كانت تلك الخيارات قاسية ومؤلمة ثم بعد ذلك انظر في واقعك وتلفت يمنة ويسرة وإن شئت فانظر بعيني زرقاء اليمامة ...

أترى خيارات الخصوم العصرية لأدعياء نبوية المنهج الدعوي هي ذات الخيارات العتيقة أم أضحت وردية مكللة بالرياحين؟؟

أترى أدعياء نبوية المنهج يتعرضون لأدنى تنكيد أم أن طريقهم يعبده ويذلله لهم الخصوم؟؟؟

أترى أحدهم يقذف بنار التضييق والتشويه والإبعاد عن ساحات التأثير فضلا عن غيرها أم يبوَّء نعيم التصدر ويعطى منصة مخاطبة الجماهير وتنهال عليه البركات من كل جانب ...

إن المتأمل للصور الدعوية في كتاب الله تعالى مقتربا بعدسته التأملية محاولا استلهام أبجديات الحراك الدعوي النبوي يخرج بحقيقة لا تتبدل وبمسلمة لاتتحول ...

إن تمام التطابق بين منهج الداعية الرباني ومنهج الأنبياء يحتم تطابق الخيارات التي سيتلقاها من خصوم الدعوة في عصره، فانفكاك الجهة هنا لا يتأتى إلا عند دخن الدعوة وزيفها ولمعانها الكاذب الخداع ...

وإلا فكيف تدعي أنك على سنَنَهم وطريقك من عسجد ودر؟؟

هيهات

{آلم*أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون*ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}

أبو ذر السمهري اليماني

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير