[أنفاس الصباح وأنفاس المسلم!!]
ـ[عبدالرحمن أبو عبدالله]ــــــــ[03 - 11 - 10, 11:22 م]ـ
........
.....
إن إشراق النور المتلألأ في باكورة الصباح المشرق، وانفلاق تلك الأضواء وبزوغها وتشققها من بين جنبات الليل البهيم، وسرعة تغير الضياء والألوان والأجواء، وغدو المخلوقات وشدو الطيور الذي يحدث في لحظات البداية الفجرية، وانسدال تلك الأشعة المتوهجة على سطح الأرض المستدير، وانتشار تلك النسمات الباردة في الفجاج الواسعة، ليضفي ويكسو النفسَ العليةَ التواقةَ المستنيرة بنور الإيمان البهجة والأنس والحبور.
فالتوافق والتلاحم بين تنفس المسلم الكريم في بداية يوميه للخيرات والبركات الحاصلة في البكور، وبين تنفس هذا الصباح البهيج لبركاته وأنواره، تلازم عجيب وارتباط وطيد واشتباك لا ينفك ومعانٍ مترابطة وأحاسيسُ جذابة، لا يمكن أن يحويها كاغد، ولا يُصورها فكر مستنير، ولا يستأدبها أدب أديب، ولا يبلغها بلاغة بليغ، ولا يمكن أن يُسكَّن حرارة تلك المعاني ويجمع أوصافها إلا بأن تتلمس ذلك الجمع في الوحيين.
وتجد يا أخي آيةً من كتاب الله تعالى متمثلة في كلمتين أَعطت المبتغي ما يريد، وسددت حاجته وقطعت أطماعه، ألم تقرأ معي قوله تعالى:
" وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ " هذه الآية التي ما إن تظم شفتك لإظهارها وتستجمع قواك لتستجذب هواء يساعدك لنشر حروفها وينطق بها لسانك، إلا وتعطي النفس المطمئنة بالله قبل استكمالها لنَفَسِهَا عمقا وجمالا روحيا وإيمانيا فيه الاطمئنان والراحة والخير والبركة فيحاكي هذا الجمال بعمقه الإيماني جمال تنفس الصباح المبارك - لما للأدلة الكونية من أثر في الإيمان بالله - هذا الصباح الذي من أنفاسه ما منّ الله به على خلقه بالحياة فيه وانتشار أدلة الإيمان بالله لمن تدبر وتفكر قال سفيان الثوري:
" صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير .. "، ومنّ على العبد الكيس بتنفس العمل الذي اختاره له من بين سائر الخلقية أجمع، وجعله خليفة في الأرض، فينشأ عند هذا العبد الضعيف العلم من خلال عملِه وكدحه أنه جزء واحد من تلك المخلوقات التي تسبح ربها وإلهها وفاطرها فتجده قد شارك الكائنات أنفاسها، فينظم وينخرط في جملة من قال الله فيهم:
" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ "، قال الحسن البصري: " صرير قلم العلماء تسبيح "، فهذا التنزيه قد نطقت به جميع المخلوقات منذ بداية يومها وحتى آخره ويتكرر كل يوم فتجد المسلم قد اختار مشاركة الكون ودار في دائرته وفلكه ولم يخرج عن الخط الذي ارتسمه له رسوله الركريم فهو مقر بالله ربا وإلها ومعبودا فله سبحانه استذل وله انكسر وله خضع وله نزه، فلا رب غيره ولا معبود بحق سواه، فيكرر إقراره كل يوم ويسعى في الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يخدش هذا الإقرار كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في أذكاره الصباحية:
" أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلاَمِ، وَكَلِمَةِ الإِخْلاَصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ"، وكان رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وآله وسلم يشكر ربه أن وفقه إدراك يوم يزاد فيه قربا إليه سبحانه فيقول صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ ما أصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ .. "، فيا سبحان الله كلمة واحدة أملت هذا المعنى العجيب بلفظها الفريد والذي أنت واجده في كلمة التنفس التي هي من خصائص الأحياء.
وأجد انعكاسَ هذه الآية التكويرية في النفس المسلمة ظاهر، وإشراق تلك الصورة التلازمية البديعة الجميلة بارز، فتعطي فهم المسلم الواعي المدرك من زاوية أخرى حقيقة التنفس الذي به يعيش وأن له نَفَسَاً من جنس آخر يختلف عن سائر مخلوقات الله - سبحانه وتعالى -، وأنك يا أيها الإنسان البسيط اللطيف لا يشاركك فيه أحد، وتميزت بميزة تظهر لك جلية واضحة في المقسم عليه (القرآن وأنه حق من عند الله)، فالمؤمن الواعي يلتقط هذه اللطيفة من الآية الكريمة فيتنفس الإيمان وتلاوة القرآن لإدراكه أن هذا التنفس هو عنوان السعادة وهو سر الوجود وبه يستدفع الشر عن نفسه، فبه يسد حاجته وفقره وذله وبه يعرف ربه ويسكن غضبه وحنقه الذي يمتلأ صدره به.
عندها سيدرك الإدراك الجازم أن الله أكرمه بنفسين نفس لجسده تنتعش وتعيش به، ونفس لروحه يزيل عنها الهموم والغموم والأحزان والأقذار، والقرآن هو النفس الذي به تحيا الأرواح وتستنير به الصدور، وهذا ما هدى إليه المقسم عليه حيث أن وجه الحمع بين المقسم به - الصبح في تنفسه - والمقسم عليه - القرآن وأنه من الله - يوحي إيحاء أن القرآن هو نفس الروح كما مر ذكره، ولهذا لماذا أقسم عليه هنا، ولأجل مَنْ أَقسَمْ؟؟؟ قال الحق تبارك وتقدس:
" قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ "، وقال: " وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ "، فما عليك يا أخي إلا أن تتنفس الحياتين والهوائين هواء الروح المتمثل في الإيمان بالله وكتابه الكريم وهواء الجسد المبثوث بين السماء والأرض لتعيش قرير العين ساكن النفس مطمأن القلب.
.......
...
لست بأديب ولا علاقة لي بالأدب ولكن أحب صياغة المعاني بمثل هذه الأساليب، وإن كنت أحاور نفسي بأن تترك مثل هذه الكتابة.
ولكن أطلب منك يا أخي التعليق إن أرت، فأنا محتاج إلى نصيحة ناصح.
...
¥