الذي لديه همة عالية لديه ثقة عالية , فهناك ارتباط وثيق بين الثقة بالنفس والهمة العالية , ولقد حكى لنا القرآن الكريم قصة ذي القرنين وهمته العالية وثقته بنفسه ومحاولته بث الأمل والطموح فيمن حوله , قال تعالى: \" حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) سورة الكهف.
كان لعمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ همة عالية، تظهر جليَّة في قولته المشهورة: \"إنّ لي نفساً توّاقة! تَمَنَّيْتُ الإمارة فَنِلْتُها، وتَمَنَّيْتُ أن أتزوَّج بنتَ الخليفة فنِلْتُها، وتمنيَّتُ الخلافة فنِلْتُها، وأنا الآن أتوق للجنة، وأرجو أن أنالها\".
قال الشاعر:
وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوعُ
وإن نعمة زالت عن الحر وانقضت ... فإن لها بعد الزوال رجوعُ
فكن واثقا بالله واصبر لحكمه ... فإن زوال الشر عنك سريعُ
وهذا يحي بن يحي رحل إلى الإمام مالك وهو صغير رحم الله الجميع وسمع منه وتفقه، وكان مالك يعجبه سمته وعقله، روي انه كان عند مالك في جمله من أصحابه، إذ قال قائل: \"قد حضر الفيل\" فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غيره (أي غير يحي ويبقى هو مكانه في الدرس) فقال له مالك:\" لم لا تخرج لترى الفيل\"لأنه لا يكون بالأندلس\"فقال له يحي إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم من هديك وعلمك ولم أجئ لأنظر إلى الفيل فأعجب به مالك، وسماه (عاقل أهل الأندلس).
قال المتنبي:
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ * * * فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ * * * كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
9 - كن أغنى الناس:
فعليك دائما بالتفاؤل والرضا بما كتب الله وتذكر قول الله تعالى: \" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: \"وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ \". أخرجه أحمد 2/ 310 (8081).
في أحد المرات خرج الملك إلى الصيد ورافقه الوزير وفي هذه الرحلة أصيب الملك في يده و اضطر إلى قطع أصبعه وهو متذمر جداً قال له الوزير لعله خيرا؟ فغضب الملك غضبا شديدا وأمر بحبسه وفي طريقه إلى السجن قال: لعله خيراً -متفائل- ومرت الأيام والشهور, خرج الملك كعادته لممارسة هوايته المفضلة -الصيد- وأثناء مطاردته لفريسته ابتعد كثيرا عن حرسه المرافقين له, و دخل إلى قبيلة في الأدغال, وكانوا يمارسون طقوسهم والتي تتمثل في تقديم قربان إلى الآلهة: أي شخص غريب يدخل قبيلتهم, وقد كان الملك؟ فربطوه و بينما هم يستعدون لقتله رأوا أصبعه المقطوع فأمرهم زعيمهم أن يطلقوا سراحه لأن القربان يجب أن يكون شخصا كاملا وفاخراً, وحين عودته أمر بإطلاق سراح وزيره, وروى له قصته وبين له كيف أن إصبعه المقطوع هو الذي نجاه من الموت وأنه عنده حق في كلامه, ولكنه سأله قائلا: لقد سمعتك تقول وأنت ذاهب إلى السجن لعله خير؟ وهل في السجن خير؟ فرد الوزير: يا أيها الملك لو لم أدخل السجن لكنت معك في رحلة الصيد و أنا ليس في جسمي عيب, لتركك أهل القبيلة و لقدموني أنا بدلا منك إلى آلهتهم قربانا ... ؟ فكان في صنع الله كل الخير.
قال الشاعر:
أضرعْ إلى الله لا تضرعْ إلى النَّاسِ * * * واقنعْ بيأسٍ فإنَّ العزَّ في الياسِ
واستغنِ عنْ كلِّ ذي قربى وذي رحمٍ * * * إنَّ الغنيَّ منِ استغنى عنِ النَّاسِ
10 - عش مع سير العظماء والناجحين:
¥