تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

صناعُ الحواجز!

ـ[أبو عبدالله بن محمد]ــــــــ[05 - 12 - 10, 09:21 ص]ـ

صناعُ الحواجز!

كتبه محمد بن محمد الجيلاني

لكم هو جميل أن يكون للمرء إخوان وخلان أعزاء، يجالسهم ويسامرهم، وتسكن نفسه إليهم، ويقضي وقتًا ممتعًا معهم؛ يزيل فيه كدر وتعب أيام الأسبوع بطولها وعرضها، ويتعاون معهم على الخير ودفع الضير، يناقش معهم بعض قضاياهم وأحوالهم وأوضاعهم، ويتفقد من تغيب منهم، والسؤال عن بعضهم بعضًا بصدق وشفافية واضحة دون غبار أو قتام (1).

يوجههم ويوجهونه في كل أمر ينوب الجميع، فبهؤلاء الإخوة ـ حقيقة ـ تسلو الحياة، ويمضي الإنسان

(الصادق) قدمًا في طريقه، لما حباه الله بهؤلاء الإخوة الصادقين الطيبين لينًا ومعشرًا فهم خير صحبة .. .

وكم مر في طيفي أقوام من المشاهير والأعلام، بغض النظر عن وضعهم الشرعي، وبعض الطيبين (بله) (2) العاديين من أمثالنا، حرموا هذه النعمة، وتمنوا لو كانوا ـ في قرارة أنفسهم ـ أناسًا غير مميزين، ليجدوا من يهتم بهم ولأمرهم وذاتهم لا لجاههم ووضعهم! .. .

حقًا إن هذه النعمة عظيمة لا يعرف قدرها إلا من فقدها وحُرمها، وهؤلاء ـ والله ـ كم هم كثر ..

ومن نفيس كلام هشام بن عبد الملك قوله: «ما بقيَ من لذات الدنيا شيء إلا أخ أرفع مئونة التحفظ بيني وبينه» أ هـ» (3).

قال ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (4):

مَا أَكْثَرَ الإِخْوَانَ حِينَ تَعُدُّهُمْ وَأَقَلَّ أَهْلَ الصِّدْقِ حِينَ تُجَرِّبُ

وَإِذَا حَسَبْتَ ذَوِي الثِّقَاتِ وَجَدْتَهُمْ بَعْدَ الْحِسَابِ أَقَلَّ مِمَّا تَحْسِبُ

وَإِذَا أَرَدْتَ صَوَابَ أَمْرٍ مُشْكِلٍ فَتَأَنَّ أَمْرَكَ فَالتَّأَنِّي أَصْوَبُ

وصدق من قال:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتد

وأما إذا أردنا أن نعرف أسباب ذلك فإليك بعضًا مما جال في فكري ووصل إليه عقلي ..

فتارة: 1ـ بسوء فعال هؤلاء القوم، 2ـ وتارة بفساد نيتهم، 3ـ وتارة لشراسة أخلاقهم، 4ـ وتارة لتقلب مزاجهم 5ـ وتارة لكونهم أصيبوا بداء إبليس (الكبر) والتعالي. فهؤلاء من عنيتهم بصناع الحواجز

إن تكوين علاقة الإخوة الحقيقية الودية الوديعة؛ تحتاج صدقًا في الإخوة، من حيث الأقوال والأفعال، واحترام آراء الآخرين دون أن يكون هناك نقدٌ جارحٌ لذواتهم (5)، أو تهكمًا ببعض كلامهم ليس له موقع من الإعراب!.

وكم سمعت عن بعض الفضلاء من علماء وفقهاء وطلاب العلم وغيرهم أن غالب أصدقائه ومن يسامرهم، من هم دونه في العلم، بل بعضهم من عامة الناس المنضبطين المحافظين!.

وكنت أتسأل في نفسي منذ سنين ـ حقيقة ـ ما الذي جعلهم ينزلون بأنفسهم إلى هذا المستوى، ولا يرقون بأنفسهم إلى مجالسة ومسامرة من هم أعلى منهم علمًا وربما جاها، حتى جاء من عند الله الجواب الذي قد غاب عن ذهني ولم أعرفه إلا من فترة غير قريبة، بل ولمسته لمس اليد فأصبت كبد الحقيقة!.

إن الأتراب والأصدقاء على اختلاف مستوياتهم وإن تقاربت، إذا صحَّت نيتهم وسمت نفوسهم إلى معالي الأخلاق، فهم السادة المتربعين على القلب حقًا وصدقًا، وهم كما قيل: (العملة الصعبة) في هذا الزمان فيتشبث الواحد بهم، ويتمنى والله ألا يفرقهم إلا المنية أو الاغتراب، رغم أنه في هذا الزمن سهل التواصل ولو من بعيد عبر شبكة الهاتف

أو الانترنت وكأننا في قرية صغيرة!.

وكم سمعت أيضًا عن بعض أهل العلم أن لهم رفقة ليسوا من طلاب العلم لكنهم لصفاء وصدق نفوسهم كانوا من خاصتهم والأثيرين لديهم!.

إن (صناع الحواجز) هم في أصلهم خلق طيب لكن تمكن منهم داء بل أدواء فأصبحوا في أحوال كثيرة مصدر قلق وإزعاج للإخوان والخلان. وليس بالضرورة أن تكون تلك الأخلاق والصفات السيئة بأكملها مجتمعة في شخص واحد، بل توجد أحيانًا خصلة، وأحيانًا أكثر من خصلة، وقليل من تجتمع فيه تلك المعايب كلها.

إنني أفرق بين من ابتعد عن إخوانه لسبب ما: كأنسه بالوحدة، أو لظروف خاصة ألمت به، لانشغاله، أو لجلوسه مع آخرين من أصدقائه وزملاء عمله، وبين من ذكرنا من صناع الحواجز.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير