تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الأرنب والسلحفاة]

ـ[سارة بنت محمد]ــــــــ[13 - 12 - 10, 05:56 م]ـ

[الأرنب والسلحفاة]

يحكى أن أرنبا نظر لنفسه يومًا متأملاً حاله معجبًا، فهدته نفسه إلى معرفة جميل أحواله، فظن أنه حق له أن يفخر بها، فهو من أسرع الحيوانات فلا يكاد يجاريه في سرعته أحدٌ، كما أنه ذكي وجميل المحيا، وقد أهَّلته هذه المزايا أن يكون أهلًا لرغد العيش وستمتد به الحياة حتى يملها هو ...

مشى متبخترًا في الغابة معجبًا بنفسه، فليس ثمَّ من هو أفضل منه، بل هو .. الأفضل، رأى على البعد سلحفاة قد أنهكتها السنون وعركتها الحياة فأسرع إليها كالبرق وعيناه تومضان في إثارة .. ها قد وجد بعض التسلية أخيرا!!

دار حولها دورتين في سرعة فتوقفت ونظرت إليه وابتسمت، فقابل تبسمها بالازدراء وتمعر وجهه، ثم فتح فاه فانسكبت منه حماقة الكلمات، متنقصًا متفاخرًا ...

لم تخفت ابتسامة السلحفاة، بل اتسعت في حلم وأناة وفتحت فاها فانسكبت حكمة الحياة:

- "أيها الأرنب الحبيب، قد عرفتَ أنك سريع الحركة جميل المحيا، ومن الذكاء أن تدرك نعم الله عليك، فإذا تعرّف العبد على نِعَمِ الخالق فعليه فيها أمران، أن يحمد الله عليها باللسان والجنان، وأن يشكر الله تعالى على نعمه بالعمل بالأركان كما قال الله تعالى:" اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " سورة سبأ -13، فيستغل العبد نعم الله في طاعته ويسخرها لخدمة دينه، وما وُفِّق إليه من الحمد والشكر أعظم مما أُعْطِيَ من النعم."

ولكن أنّى لمن سقط في ذاك الفخ أن تسمع أذنيه أو يعي قلبه!! بل لابد له أن يذوق وبال أمره ويجرع كأس مرارته حتى الثمالة فإن وُفِّق بعدها أفاق منه قلبه المخمور ..

قال بصوت يهتز زهواً:

- أيتها السلحفاة البطيئة، لا يسعني إلا أن أشفق على أمثالك ممن يتشدقون بالكلمات وأنا رجل الأفعال، فسابقيني تعرفي من الأفضل ..

- وا صديقي التعس! ترى لماذا لم تسابق الغزال أو الفهود؟؟! حقًا إن البغاث بأرضنا يستنسر!

- هلمي يا حاملة الأحجار سابقيني وكفي عن الشجار، إن أحدًا من هؤلاء الذين ذكرتِ لم يمطرني بما تشدقتي به من العبر ودروس الأخلاق .. موعدنا عند الشجرة العجوز في آخر الغابة.

وانطلقت ضحكاته الساخرة تجلجل أصداؤها بين ربوع الغابة.

لم تخفت ابتسامة السلحفاة الحكيمة بل قلّبت الأمور على نواحيها وتفكرت فيما لديها من الوسائل المعينة فلم تجد خيرًا من عون الله لها سبيلًا ولم ترجُ أحدًا غيره وكيلًا وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم

فقالت في نفسها: إنني قوية بإيماني بالله ولسوف أنطلق على بركة الله مستعينة به سبحانه فإن سبقتُ فهذا يعلِّم صاحبنا درسًا وإلا فإنّ لي في هذه الرحلة من العبر والفوائد ما لا يحصيه إلا الله ..

كيف ظننتِ أيتها السلحفاة أنك قد تسبقين هذا الأرنب؟؟! هل رأيت بعين البصيرة أن غروره سيوقعه في حماقات تعوق انتصاره؟؟ أم أن ثقتك بالله أنبأتك أن هناك حسابات أخرى للنصر؟! ... :" وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" سورة آل عمران -126

تسابقا فجرى الأرنب في خفة لبرهة من الزمان ثم نظر خلفه، فوجد السلحفاة بعيدة تَجِدُّ السير في بطئها المعهود، فقارن بين حاله وحالها وقاس المسافات وقدّر الحسابات فلم يجد بأسًا من أن يخلد لنوم لذيذ تحت شجرة وارفة الظلال إمعانا في الإذلال، ولم يكن قد أمضى أكثر من منتصف الطريق ..

لماذا أيها الأرنب قارنت بينك وبين منافستك؟ أما كان يجب عليك أن تحقق أهدافك بلا مقارنات تؤدي للفتور؟ لماذا لم تنطلق في سرعتك من غير أن تنظر للخلف حتى تصل إلى الشجرة العجوز في أخر الغابة ... هدفك، ثم تنام هنالك قرير العين بعد أن تسدد رميتك؟؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير