وكَم صَدَرَ مِن (هُم) هَفَواتٍ فَوَضَعْنَاهَا تَحْتَ المِجْهَرِ فصَارَت جِبَالٌ تُوشِكُ أن تُهْلِكُنَا جَمِيعًا حتى رَفَعْنَا أَيدٍ كَاذِبةٍ وأَعْيُنٍ خَاشِعةٍ خُشُوعَ النِّفاقِ ودَعَوْنَا اللهَ ألَّا يُؤَاخِذُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ (مِنَّا) ونَحْنُ نُوقِنُ فيِ قُلُوبِنَا اللَّاهِيَةِ أنَّ (مِنَّا) لا تَشْمَلُ (نَحْنُ) بَل تَشْمَلُ فَقَط (هُم) و (هَؤُلاءِ) الأَبَاعِدُ!
وكَأَنَّنَا لم نَتَّعِظْ بِقَولِهِ تَعَالَى:" أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" سورةُ البقرةِ - 44
لماذا نَنشَغِلُ بِعُيُوبِ النَّاسِ ونَنسَى عُيُوبَنَا، لماذا لا نَهْتَمُّ بِإصْلاحِ أَنفُسِنَا قَبلَ إصْلاحِ النَّاسِ، لماذا إذا كَشَفَ اللهُ لَنَا عَن بَعضِ عُيوبِ النَّاسِ هَجَمْنَا عَلَيهِ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الخَيْر، وَقُلُوبٍ قَاسِيَةٍ تَفرَحُ بالعُلُوِّ ..
ألا طُوبَى لمَن شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ [2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)
وَلَعَلَّ هَذَا طَبْع البَشَرِ، جُبِلْنَا عَلَى ظَنِّ الخَيْرِ بِأَنفُسِنَا وَتَقْدِيمِ ظَنِّ الشَّرِّ بِالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وبِالْيَقَظَةِ لِهَذِهِ الخَوَاطِرِ السَّيئَةِ من الممكن جدا أن يَشْفَى المَرْءُ مِن ذَلِكَ الدَّاءِ، لَكِنِ الكَارِثَة أَن نَتَمَادَى لِطُولِ الأَمَدِ فَنَرْتَدِي أَثْوَابَ الوَاعِظِينَ ونُلَبِّسَ كَوَارِثَنَا بثَوبِ الدِّينِ، فَنَرى أَنَّ أَفْعَالَ (نَحْنُ) لا تَسْتَحِقُّ إلا أَفْضَلَ تَأْوِيلٍ، وأَفْعَالَ (هُم) لابَدَّ عليها مِن نَكِيرٍ!
وكَأَنَّنَا لم نَسْمَعَ قَولَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ " سورةُ البقرةِ 42
وَكَأنَّنَا لم نَتَّعِظْ بِمَثَلِ مَن قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ:" وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَوَاهُ" سورةُ الأعرافِ 176
فخُشُوعُ (نَحْنُ) خُشُوعُ إِيمَانِ، وَخُشُوعُ (هُم) لابُدَّ أَنَّهُ خُشُوعُ نِفَاقٍ وزَيْفٍ وتَظَاهُرٍ!
وغَضَبُ (نَحْنُ) لِأَنفُسِنَا لابُدَّ أنَّهُ فيِ الحَقِيقَةِ غَضَبٌ للهِ، أمَّا غَضَبُ (هُم) فَهُوَ لابُدَّ رِيَاءٌ!
وتَوَاضُعُ (نَحْنُ) لابُدَّ أنَّهُ صَادِرٌ عَنْ جَلَالٍ ومَهَابَةٍ، وتَوَاضُعُ (هُم) عَن قِلَّةِ عِلْمٍ ومَهَانَةٍ، وفيِ أَحْسَنِ حَالٍ فهذا ما جُبِلْنا عليه أما (هُم) فيَتَظَاهَرُونَ!
وحَمِيَّةُ (نَحْنُ) لِأَنفُسِنَا بِزَعْمِنَا الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المنكَرِ إنَّمَا هِيَ حَتْمًا مِن قُوَّتِنَا فيِ أَمرِ اللهِ وتَعْظِيمِهِ، أمَّا قُوةُ (هُم) فيِ أَمْر اللهِ فَلابُدَّ أنَّها حَمِيَّةٌ للنَّفسِ ولَيستْ للهِ!
وتَكَبُّرُ (نَحْنُ) عَنِ الخَلْقِ إنَّمَا هِيَ صِيَانَةٌ للنفسِ من الوقوعِ فيِ المعَاصِي بِمُخَالطَةِ العُصَاةِ، أمَّا صِيَانَةُ (هُم) فَلَيْسَتْ سِوى عُجْبٍ واستكبارٍ!
وسُوءُ ظَنِّ (نَحْنُ) فيِ خَلقِ اللهِ إنَّما أَصْلُهَا فَرَاسَةٌ، أمَّا أيَّ تَحَرُّزٍ من (هُم) -ولو كَانَ فيِ مَحِلهِ -فَهُوَ ولابُدَّ سُوءُ ظَنٍّ!
ونَصِيحَةُ (نَحْنُ) صَادِقَةٌ صَادِرَةٌ عَن مَحَبَّةٍ ورغبةٍ فيِ النَّفْعِ، أمَّا نَصِيحَةُ (هُم) فَهِيَ غِيبَةٌ ورَغْبَةٌ فيِ التَّطَاوُلِ ونَوْعُ تَأْنِيبٍ! [3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3)
فلماذا أَحْسَنَّا الظَّنَّ بأنفُسِنَا وأَسَأْنَا الظُّنُونَ بِغَيرِنَا؟!
لماذا أَلْبَسْنَا أفْعَالَنَا أَثْوَابَ العَافِيَةِ والدِّيَانَةِ والوَرَعِ، وألْبَسْنَا أَفعَالَ غَيرِنَا ثِيَابَ الزُّورِ والبُهتَانِ والنِّفَاقِ؟؟! أَلَم نَفقَهْ قولَه صَلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: بِحَسْبِ امرِئٍ من الشَّر أن يُحَقِّرَ أخاهُ المسلمُ " رواه مسلم
وكأنَّنَا لم نَخْشَ أَنْ تَكُونَ فِينَا خِصْلَةً منَ النِّفَاقِ بِمُشَابَهَتِنَا مَن قَالَ اللهُ فِيهِم:" الذِّينَ يَلْمِزُونَ الُمطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فيِ الصَّدَقَاتِ " سورةُ التوبةِ 79
¥