تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن تضطرني ظروف عملي إلى الاحتكاك بالجنس الآخر (الرجال) ولكن هذا ما حدث فعلاً .. وقد كنت في بداية الأمر أحتجب عن الرجال باستخدام النقاب ولكن أشارت إليّ بعض الأخوات بأن هذا اللباس يجذب الانتباه إلى وجودي أكثر، فمن الأفضل أن أترك النقاب وخصوصاً أن عينيَّ مميزتان قليلاً. وبالفعل قمت بنزع الغطاء عن وجهي ظناً من أن ذلك أفضل .. ولكن مع إدمان الاختلاط مع الزملاء وجدت أنني شاذة من بين الجميع من حيث جمودي والتزامي بعدم المشاركة في الحديث وتبادل (الظرافة)، وقد كان الجميع يحذر هذه المرأة (المتوحشة - في نظرهم طبعاً)، وهذا ما بينه أحد الأشخاص الذي أكد على أنه لا يرغب في التعامل مع شخصية متعالية ومغرورة، علماً بأنني عكس هذا الكلام في الحقيقة، فقررت أن لا أظلم نفسي ولا أضعها في إطار مكروه مع الزملاء فأصبحت أشاركهم (السوالف وتبادل الظُرف)، واكتشف الجميع بأنني أمتلك قدرة كلامية عالية وقادرة على الإقناع والتأثير، كما أنني أتكلم بطريقة حازمة ولكن جذّابة في نفس الوقت لبعض الزملاء - ولم يلبث الوقت يسيراً حتى وجدت بعض التأثر على وجه الشخص المسؤول المباشر وبعض الارتباك والاصفرار والتمتع بطريقة حديثي وحركاتي وقد كان يتعمد إثارة الموضوعات لأدخل في مناقشتها لأرى في عينيه نظرات بغيضة صفراء ولا أنكر أنني قد دخل نفسي بعض التفكير بهذا الرجل، وإن كان يعلو تفكيري الدهشة والاستغراب من سهولة وقوع الرجل في حبائل المرأة الملتزمة، فما باله إذا كانت المرأة متبرجة وتدعوه للفجور؟ حقاً لم أكن أفكر فيه بطريقة غير مشروعة ولكنه أولاً وأخيراً قد شغل مساحة من تفكيري ولوقت غير قصير، ولكن ما لبث اعتزازي بنفسي ورفضي أن أكون شيئاً لمتعة هذا الرجل الغريب من أي نوع كانت حتى وإن كانت لمجرد الاستمتاع المعنوي، فقد قمت بقطع الطريق على أي عملٍ يضطرني للجلوس معه في خلوة، وفي نهاية المطاف خرجت بحصيلة من الفوائد وهي:

1 - إن الانجذاب بين الجنسين وارد في أي وضع من الأوضاع ومهما حاول الرجل والمرأة إنكار ذلك - والانجذاب قد يبدأ مشروعاً وينتهي بشيء غير مشروع.

2 - حتى وإن حصّن الإنسان نفسه، فإنه لا يأمن حبائل الشيطان.

3 - إذا ضمن الإنسان نفسه وتعامل مع الجنس الآخر بالحدود المرسومة والمعقول فإنه لا يضمن مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر.

4 - وأخيراً، إن الاختلاط لا خير فيه أبداً وهو لا يأتي بالثمرات التي يزعمونها بل أنه يعطل التفكير السليم.

وماذا بعد؟

ونتساءل ماذا بعد طرح كل هذه الأمور المتعلقة بقضية الاختلاط؟

آن لنا أن نعترف أنه مهما جمّلنا الاختلاط واستهنا به فإن مساوئه تلاحقنا، وأضراره تفتك بعائلاتنا، وأن الفطرة السليمة لتأنف التسليم بأن الاختلاط هو جو صحي في العلاقات الاجتماعية، تلك الفطرة التي دفعت معظم من شملهم هذا التحقيق (76%) أن يفضلوا العمل في مجال غير مختلط. ونفس النسبة أيضاً (76%) قالوا أن الاختلاط لا يجوز شرعاً. أما الملفت للنظر هو ليس هذه النسب المشرفة التي تدل على نظافة مجتمعنا الإسلامي في نفوس أصحابه بل الذي استوقفنا هو تلك النسبة القليلة التي أقرت بجواز الاختلاط وهم (12%). هذه المجموعة من الأشخاص قالوا ودون استثناء أن الاختلاط يجوز ولكن بضوابط الدين، والعرف، والعادات، والأخلاق والضمير، والحشمة، والستر .. إلى آخر هذه السلسلة من القيم الجميلة والتي برأيهم تحفظ للاختلاط حدوده.

ونسألهم، هل الاختلاط الذي نراه اليوم في جامعاتنا وأسواقنا ومواقع العمل، وتجمعاتنا الأسرية، والاجتماعية، تنطبق عليه هذه المزايا السالفة الذكر؟ أم أن هذه الأماكن تعج التجاوزات في الملبس والحديث والتصرفات، فنرى التبرج والسفور والفتن والعلاقات المشبوهة، لا أخلاق ولا ضمير، لا ستر وكأن لسان الحال يقول: إن الاختلاط بصورته الحالية لا يرضى عنه حتى من يؤيدون الاختلاط في أجواء نظيفة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير