وليس كل ما حُفظ سريعاً نُسي سريعاً؛ والمرء يرى من نفسه تفاوت محفوظاته، ومنها ما حُفظ سريعاً وثبت طويلاً، ومنها ما حُفظ بطيئاً وذهب سريعاً.
ثم إن حفظهم «السريع» كحفظ باقي الناس؛ فإذا كان عامة الحفاظ في أثناء العام يجلسون يحفظون الصفحة فإذا ختموها سمَّعوها؛ فحفاظ الدورة كذلك سواء بسواء، فالزمن الذي بذلوه في حفظ الصفحة متقارب.
وليس من الإنصاف أن نستنكر على من حفظ محصل المتفق عليه في شهرين؛ مع أنه يبذل كل يوم بضع عشرة ساعة بمجموع يزيد على 600 ساعة، ولا نستنكر على من حفظ في سَنَة ولو لم يبذل إلا نصف هذا الوقت، مع أن التركيز على نمطية الحفظ يعطي قوة حفظ إضافية؛ مع ما في الدورة من التفرغ الذهني والزمني والبيئة المشجعة.
ثم إن الأمر نسبي؛ فمن حفظ في أسبوع قال له من حفظ في شهر: من حفظ بسرعة نسي بسرعة.
ومن حفظ في شهر قال له من حفظ في شهرين: من حفظ بسرعة نسي بسرعة، والذين حفظوا في شهرين يقول لهم من يريد أن يحفظ في سنة وسنتين وعشر وعشرين سنة: من حفظ بسرعة نسي بسرعة!
ثم لو افتُرض في سيِّئ الأحوال أنهم سينسون نصف المحفوظ أو ثلثيه ويبقى الثلث؛ فإن الثلث من ملخص الصحيحين أكثر من بلوغ المرام، والثلث كثير!
فحفظ السنة مكسب علمي كبير جداً، والنظر الشرعي والمنهجي يدعو إلى بذل أضعاف هذا الوقت له.
* هل الكثير من محفوظاتهم يبقى؟ أعني: لو سألناهم عن الأحاديث فهل تبقى في ذاكرتهم؟
أولاً: يبقى لهم الأجر إن شاء الله، وعسى أن تشملهم المغفرة ولو كان فيهم الخطّاء الذي جاء لحاجة، فلو افترض أنه نسي كل ما حفظه في الدورة ولم يبق منه حرف ففي سلوك طريق العلم خير كثير.
وثانياً: إن العلة نفسها جارية على كل الدورات العلمية، بل على كل قراءة، فأنت لو سألت عامة الذين يحضرون الدروس العلمية أو يقرؤون الكتب بعد مدة يسيرة؛ لخفيت عليه كثير من المسائل التي تلقاها؛ بل تلك التي كتبها في دفتره؛ ولا يكون هذا مانعاً من حضور الدروس وقراءة الكتب؛ فليس من الإنصاف أن تُسقِط أي دورة لأنك سألت أحداً شارك فيها عن حديث أو مسألة فلم يضبط ذلك.
وثالثاً: إن كثيراً مما حفظه يبقى في الذاكرة.
ورابعاً: إن من أتقن حفظه في الدورة فإن أدنى مراجعة تسترجع له محفوظه الغائب؛ حتى لو كانت هذه المراجعة على سبيل القراءة المركَّزة.
فالأمر يعود - بعد توفيق الله - إلى شيئين: الحفظ المتقن أثناء الدورة، والمراجعة المتكررة - ولو قراءةً - بعد الدورة، والنماذج الضابطة من هذه موجودة.
والمقصود معرفة أكبر قدر من السنة ليُعمَل بها، وحفظها ليُتفقَّه بها، للناس عامة؛ بَلْهَ طلبة العلم، ويبقى الأمر في الطريقة متسعاً للاجتهاد، مع بقاء التعاون بين الجميع، فالعلم رحم موصول بين أهله.
* ما أبرز الصعوبات التي تواجه هذه الدورة؟
الدورة نسيج وحدها؛ وهذا يزيد الثقل من جهتين:
1 - من جهة العملية الإدارية؛ فهي لجدَّتها تحتاج إلى أن تصنع لنفسها رؤية إدارية مستقلة؛ وأن تستنبت المدرِّسين والمشرفين من داخلها، مما يبطئ عملية التطوير، خاصة مع قلة جمهورها؛ لأن حفظ السنة بل الاطلاع عليها أصبح - للأسف - مرحلة متقدمة لطلاب العلم؛ مع أنه مطلوب من كل مسلم.
2 - ومن جهة انضمامها إلى الحركة العلمية؛ فهي لجدَّتها تحتاج إلى مزيد تعريف وتطوير، وهذه مسؤولية تقع على منسوبي الدورة، وتقع على رواد التعليم الشرعي بأن يتعرفوا على الدورة وأهميتها في ذاتها وفي دعمها للحركة العلمية، وأن يساهموا في تصحيحها وارتقائها، وأن يحكموا عليها من الرؤية لا من السماع أو النماذج الفردية.
* أخيراً: هل من شروط لراغب المشاركة في الدورة؟ وكيف يمكن التواصل معها؟
يشترط لحفّاظ المتفق عليه: حفظ القرآن الكريم، ويشترط لكل مستوى تالٍ: تجاوزُ المستوى السابق بنجاح في اختبار شفوي وتحريري.
وتتكفل إدارة الدورات بتكاليف السكن قرب المسجد الحرام والمسجد النبوي، مع التغذية وتوفير المادة العلمية والمدرِّسين.
ويمكن التواصل معها عبر موقعها الشبكي (حفاظ الوحيين) أو الاتصال بالرقم المخصص أو بأحد مشرفيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة البيان 252، بتصرف يسير.
http://www.islamweb.net.qa/ver2/arch....php?id=147906 (http://www.islamweb.net.qa/ver2/archive/readArt.php?id=147906)