فإذا اجتمع هذان الشرطان في شيء حل الذبح به لقوله صلىالله عليه وسلم: ((وما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر))، متفق عليه.
وقال في المغنى: وأما المحل - أي: محل الذبح - فالحلق واللبة، وهى الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع.
الثالث: أن الله أباح ذبائح أهل الكتاب لأنهم يذكرون اسم الله عليها، كما ذكره ابن كثير وغيره.
أما الآن فقد تغيرت الحال، فهم ما بين مهملٍ لذكر الله فلا يذكرون اسم الله ولا اسم غيره، أو ذاكرٍ لاسم غيره كاسم المسيح أو العزير أو مريم، ولا يخفي حكم ما أهل لغير الله به، وفي سياق المحرمات] وما أهل به لغير الله [، وفي حديث علي: ((لعن الله من ذبح لغير الله ... )) الحديث رواه مسلم والنسائى، أو ذاكرٍ عليه اسم الله واسم غيره، أو ذابحٍ لغير الله كالذي يذبح للمسيح أو عزير أو باسمهما، فهذا لا يشك مسلم بتحريمه وأنه مما أُهِلَّ به لغير الله، وذكر إبراهيم المروذي أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل لغير الله اهـ.
فمن ذبح للصنم أو لموسى أو لعيسى أو غيرهما فكل هذا حرام ولا تحل الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً أو كافراً، وبعضهم أباح هذه الذبائح مستدلاً بقوله:] وطعام الذين أوتوا الكاب حل لكم [وهذه ذبائحهم. والصحيح ما ذكرنا لما أشرنا إليه من الأدلة ولا مخالفة حتى يطلب الجمع، إذ ذبيحة الكتابي مباحة فلا تباح المنخنقة والموقوذة وما أُهِلَّ به لغير الله لأن خانقها وواقذها وذابحها من أهل الكتاب.
قال الشيخ تقى الدين ابن تيمة بعد كلام في الجمع بين قوله:] وما أهل به لغير الله [وقوله:] وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [قال: والأشبه بالكتاب والسنة ما دلَّ عليه كلام أحمد من الحظر، وإن كان من متأخري أصحابنا من لا يذكر هذه الرواية بحال، وذلك لأن قوله:] وما أُهِلَّ به لغير الله وما ذبح على النصب [عموم محفوظ لم تخص منه صورة، بخلاف] طعام الذين أوتوا الكتاب [فإنه يشترط له الذكاة المبيحة، فلو ذكى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته، ولأن غاية الكتابي أن تكون ذكاته كالمسلم، والمسلم لو ذبح لغير الله وذبح باسم غير الله لم يبح، وإن كان يكفر بذلك، فكذلك الذمى. لأن قوله:] وطعام الذنى أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم [سواء وهم وإن كانوا يستحلون هذا ونحن لا نستحله فليس كل ما استحلوه يحل لنا، ولأنه قد تعارض دليلان حاظر ومبيح، فالحاظر أولى أن يقدم، ولأن الذبح لغير الله أو باسم غيره قد علمنا يقيناً أنه ليس من دين الأنبياء عليهم السلام فهو من الشرك الذي قد أحدثوه، فالمعنى الذي لأجله حلت ذبائحهم منتفٍ في هذا، والله أعلم اهـ.
وأما حكم متروك التسمية فقط عمداً أو سهواً فهذه المسألة الخلاف فيها شهير، والحكم - ولله الحمد - واضح.
الرابع: أن موضوع الذبح الإختياري معروف، وهو في الحلق واللبة ولا يجوز في غير ذلك إجماعاً، وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلىالله عليه وسلمبديل بن ورقاء يصيح في فجاج مكة: ((ألا إن الذكاة في الحنق واللبة)) رواه الدارقطني بإسناد جيد، وروي عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلىالله عليه وسلم عن شريطة الشيطان))، وهى التى تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج، رواه أبو داود. وروى سعيد في سننه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل، إسناده حسن، والودجان: عرقان بالحلقوم.
وهذا معدوم في ذبائح المذكورين كما ذكرناه سابقاً فلا تحل، قال في مغني ذوي الأفهام: (الثالث: أن يقطع الحلقوم والمريء بالآلة، فإن خنقها أو عصر رأسها بيده أو ضربها بحجر أو عصاً على محل الذبح لم يحل أكلها).
الخامس: لو فرضنا أنه يوجد في تلك البلدان من يذبح ذبحاً شرعياًّ، ويوجد من يذبح ذبحاً آخر كالخنق والوقذ، فلا تحل للاشتباه، كما هى قاعدة الشرع المعروفة، ولحديث عدي المتقدم. قال ابن رجب بعد كلام: (وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد، فإن تردَّد في شيء من ذلك لسبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه؛ فما أصله الحرمة بنى على التحريم، ولهذا نهى النبي صلىالله عليه وسلم عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم أو كلب غير كلبه) اهـ.
أما حديث عائشة رضي الله عنها: أن أناساً يأتوننا باللحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه؟ فقال النبي صلىالله عليه وسلم: ((سموا الله أنتم وكلوا)) أخرجه البخاري. فالجواب أن هؤلاء مسلمون ولكنهم في الحديث حديثٌ عهدُهم بالإسلام، وإنما أشكل هل يسمون أم لا، والتسمية سهلة بالنسبة إلى غيرها، فإن المذكورين في حديث عائشة مسلمون والأصل في ذبحهم الإباحة، وكذلك فيما جلب من بلاد المسلمين كان هو معروفاً ومصرحاً به في كلام أهل العلم.
وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذه العجالة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
)
انتهى http://www.taiba.org/entry3/fatawa/allhom2.htm
¥