ومع هذا كله، سمى الله تعالى اليهود والنصارى مع هذه المخالفات سماهم أهل كتاب، وأحل ذبائحهم، ونكاح نسائهم المحصنات أي العفيفات للمسلمين، ولم يكن كفرهم وشركهم، وتحريفهم لكتبهم، لم يكن مانعا من إجراء أحكام أهل الكتاب عليهم، لم يكن هذا مانعا من إجراء أحكام أهل الكتاب عليهم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- فلا يكون ذلك مانعا من إجرائها عليهم إلى يوم القيامة. وبهذا نعرف أن هؤلاء إذا كانوا ينتسبون لأُمَّة يهودية أو نصرانية، فإنهم يكونون أهل كتاب.
ويشترط في ذبائح أهل الكتاب، ما يشترط في ذبائح المسلمين، وحينئذ فإذا كان أهل الكتاب يذبحون لغير الله أو لا يذكون الذكاة الشرعية فإن ذبائحهم لا تحل لنا، لأن ذلك لو وقع من مسلم، لم تحل ذبيحته، فإذا وقع ذلك من كتابيٍّ فمن باب أولى ألا تحل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: الأشبه بالكتاب والسنة في ذبائح أهل الكتاب التي أُهِلَّ بها لغير الله، الأشبه في ذلك ما دل عليه كلام أحمد من الحظر، وذلك لأن قوله: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ عموم محفوظ لم تخص منه صورة، بخلاف طعام الذين أوتوا الكتاب، فإنه يشترط له الذكاة المبيحة، فلو ذكى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته، لأن غاية الكتابي أن تكون ذكاته كالمسلم، والمسلم لو ذبح لغير الله لم تبح ذبيحته، فكذلك الذمي، إلى آخر ما قال. المقصود أن ما يشترط في ذبيحة المسلم، يشترط في ذبيحة الكتابي من باب أولى.
والذبائح المستوردة، لا يخلو إما أن تكون مستوردة من بلاد أهل الكتاب، أو من غيرهم، أما الذبائح المستوردة من غير أهل الكتاب، المستوردة من بلاد الشيوعية يعتنق أهلها الشيوعية أو البوذية، أو أي دين غير دين أهل الكتاب فإنها لا تحل للمسلمين ذبائحهم، لا تحل للمسلمين ذبائحهم. وهذا الحكم أيضا يكاد يكون محل اتفاق بين أهل العلم.
وحينئذ يبقى النظر في ذبائح أهل الكتاب خاصة، الذبائح المستوردة من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى، وأكبر إشكالية في هذه الذبائح، أكبر إشكالية في اللحوم المستوردة إلينا، هي أنها لا تذكى الذكاة الشرعية، فتصعق بالكهرباء قبل ذبحها، فما حكم هذا الحيوان إذا زهقت الروح قبل الصعق أو بعده؟
أقول: هذه المسألة وهي ذبح الحيوان المأكول بواسطة الصعق الكهربائي، درسها مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي وأصدر فيها قرارا جاء فيه:
أولا: إذا صعق الحيوان المأكول بالتيار الكهربائي، ثم بعد ذلك تم ذبحه أو نحره، وفيه حياة فقد ذُكي ذكاة شرعية، وهذا بغض النظر عن كون الصعق يباح أو لا يباح، وهذا سنأتي له، لكن إذا صُعق ثم ذبح، فقد ذُكي ذكاة شرعية، إذا صُعق وبقيت فيه حياة ثم ذُبح فقد ذُكي ذكاة شرعية، وحل أكله لعموم قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ.
ثانيا: إذا زُهقت روح الحيوان المصاب بالصعق الكهربائي قبل ذبحه، يعني كان زهوق الروح قبل الذبح، فإنه ميتة يحرم أكله لعموم قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ.
ثالثا: إذا صُعق الحيوان بالتيار الكهربائي عالي الضغط فهذا الصعق تعذيب للحيوان قبل ذبحه أو نحره، والإسلام ينهى عن هذا ويأمر بالرحمة والرأفة بالحيوان. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحد أحدكم شفرته وليُرح ذبيحته رواه مسلم.
أما إذا كان التيار الكهربائي منخفض الضغط وخفيف المس، بحيث لا يعذب الحيوان، وكان في ذلك مصلحة لتخفيف ألم الذبح عنه وتهدئة عنفه ومقاومته، فلا بأس بذلك مراعاة للمصلحة. فيكون إذًا عندنا في هذا مسألتان، المسألة الأولى: حكم هذه الذبائح التي تذبح عن طريق الصعق الكهربائي، والمسألة الثانية: حكم الصعق الكهربائي نفسه.
¥