وأيضا شاهد آخر من الدعاة يصف الذبح بأنه في مصنع لتعليب اللحوم بأنهم يصعقون الأغنام بالكهرباء على كل حال، ويكتبون على صناديقها، مذبوحة على الطريقة الإسلامية. وأيضا داعية يصف الذبح في شركة من أكبر الشركات العالمية للحوم البقر والدواجن قريبا مما ذكرنا، قال بأنه يذبح الطير معلقا من قدمه، مما يجعل قطع الوريدين يتحقق في الغالب، ولكن المحذور يبقى قائما، وهو أن الآلة تغمس الذبيحة في الماء الساخن المغلي قبل أن تفارق الروح، كما أنه ليس من المؤكد في هذه الشركة أن الذابح كتابي.
ولكن شاهد آخر في بلد آخر وصف الطريقة التي تُذبح بها الأغنام بأنها طريقة شرعية، فيقول إنه ذهب من المركز الإسلامي إلى مقر الشركة، واطلع على كيفية ذبح الأغنام، قال: فوجدنا أن آلة تعلق الأغنام إلى أعلى، ويقوم رجل بسكين حادة ليذبح رأس الذبيحة تماما على الشريعة الإسلامية لأنه يقطع الوريدين والمريء معا، إلا أن الأمر متوقف على الذابح هل هو كتابي أم لا، ويقوم المركز الإسلامي بتقديم شهادة خطية على أن الذبح جرى على الطريقة الإسلامية.
فتجدون الآن هذه الشهادات مختلفة، بعضها يصف الذبح بأنه تتوافر فيه الشروط وبعضها يصفه بأنه ليس كذلك، والأكثر أكثر الشهادات على أنها لا تتوافر فيها الشروط الشرعية، فأحببت أن أنقل لكم هذه الشهادات ليتبين أن النقل مضطرب ومختلف فيما يتعلق بتوافر الشروط، وعلى ذلك يترتب الحكم الشرعي عندما يكون الترجيح.
أقوال العلماء المعاصرين في هذه اللحوم المستوردة:
أولا: إذا قدر التحقق من أن هذه اللحوم تذبح على الطريقة الشرعية، فلا إشكال في حلها، لا إشكال في حلها؛ لأنها من ذبائح أهل الكتاب، وقد أحل الله تعالى لنا ذبائحهم، وكذلك أيضا إذا أمكن التحقق من أنها لا تذبح بالطريقة الشرعية فلا إشكال في أنها لا تحل لنا، ولكن في الغالب وهو الأكثر أنها تجهل الحال، يجهل حال هذه اللحوم المستوردة هل هي مذكاة على الطريقة الشرعية، أم لا؟ وهذه اللحوم مجهولة الحال، للعلماء المعاصرين فيها قولان:
القول الأول: أنها مباحة فيحل أكلها، وإن كان الورع تركَ ذلك، إلا أنها من حيث الحكم مباحةٌ، ويباح أكلها، ومن أبرز من قال بهذا القول سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، وكذلك الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله-، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وسننقل فتياها في آخر بحث المسألة.
واستدل أصحاب هذا القول بعموم الآية: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ قالوا: فالأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل إلا إذا علمنا أنهم قد ذبحوها على غير الوجه الشرعي.
وقد جاء في فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- لما سئل عن هذه المسألة قال: قال الله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وهذه الآية أوضحت لنا أن طعام أهل الكتاب مباح لنا، وهم اليهود والنصارى إلا إذا علمنا أنهم ذبحوا الحيوان المباح على غير وجه مشروع، كأن يذبحوه بالخنق أو الكهرباء، أو ضرب الرأس ونحو ذلك فإنه بذلك يكون منخنقا أو موقوذا فيحرم علينا، كما تحرم المنخنقة والموقوذة التي ذبحها المسلم على هذا الوجه، أما إذا لم نعلم الواقع فذبائحهم حل لنا عملا بالآية الكريمة.
وكذلك أيضا الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله- له فتوى قريبة من هذا، وهي: أن الذبائح إذا وردت من أمة يهودية أو نصرانية فهي حل لنا إلا إذا علمنا بأنها ذبحت على غير الوجه المشروع قال -رحمه الله-: " إذا علمنا أن الذبح وقع، ولكن نجهل كيف وقع بأن يأتينا ممن تحل ذبيحتهم لحم أو ذبيحة مقطوعة الرأس، ولا نعلم على أي صفة ذبحوها، ففي هذه الحال المذبوح محل شك وتردد، ولكن النصوص الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تقتضي حله، وأنه لا يجب السؤال تيسيرا على العباد، وبناء على أصل الحل ".
ثم ذكر بعض الأدلة ومنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من الشاة التي أتته بها إليه اليهودية الشاة المسمومة، وأنه أجاب دعوة يهودي على خبز وشعير وإهالة سنخة، وفي كلتا القصتين لم يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كيفية الذبح، وهل ذكر اسم الله عليه أم لا؟.
¥