تلقوه بالقبول على أنه واقعة عين بسالم لا تتعداه إلى غيره، ولا تلح للاحتجاج بها، ويدل على ذلك ما جاء في بعض الروايات عند مسلم عن ابن أبي مليكة أنه سمع هذا الحديث من القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قال ابن أبي مليكة: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ، ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ: فَحَدِّثْهُ عَنِّي أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ. [وَهِبْتُهُ قال الإمام النووي: مِنْ الْهَيْبَة وَهِيَ الْإِجْلَال].
وفي رواية النسائي، فقال القاسم: حدث به ولا تهابه [أخرجه النسائي (3322)]
قال الحافظ ابن عبد البر: " هذا يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تلقوه على أنه خصوص ". [انظر: شرح الزرقاني على الموطأ 3/ 292، وقال الحافظ الدارمي عقب ذكره الحديث في سننه: " هذا لسالم خاصة "]
وبذلك صرحت بعض الروايات، ففي صحيح مسلم عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلَا رَائِينَا.
إن قصة رضاعة سالم قضية عين لم تأت في غيره، واحتفت بها قرينة التبني، وصفات لا توجد في غيره، فلا يقاس عليه. ا. هـ.
ثم ذكر المؤلف الأحاديث الواردة في تبني سالم.
ثم قال: قال ابن عبد البر: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه، فأما أن تلقمه المرأة ثديها، فلا ينبغي عند أحد من العلماء.ا. هـ.
وقال عياض: ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها، ولا التقت بشرتاهما، إذ لا يجوز رؤية الثدي، ولا مسه ببعض الأعضاء.
ثم قال المؤلف في الحاشية، وهو موطن الشاهد في أن الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله - له سلف في قوله الذي قاله بغض النظر عن ترجيح هذا القول أو عدم رجحانه:
قال فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين: " استدلال ابن خزم بقصة سالم على جواز مس الأجنبي ثدي الأجنبية، وإلتقام ثديها، إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا، استلال خطأ، دعاه إليه أن الرضاعة المحرمة عنده إنما تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه.
ثم نقل عن النووي في تأكيد ما قرره القاضي عياض: وهو حسن، ويحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر.ا. هـ.
وكشف العورة في هذه الحالة جائز للضرورة، فلا معارضة بين الحديث وبين قوله تعالى: " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ " [النور: 30] كما زعم بعض أدعياء العلم.
قال الزرقاني: " وكأن القائلين بأن ظاهر الحديث أنه رضع من ثديها لم يقفوا على شيء. فقد روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال: كانت سهلة تحلب في إناء قدر رضعته، فيشربه سالم في كل يوم، حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسرة، رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة.ا. هـ.
ولكن هذه الرواية لم يتعقبها المؤلف الشربيني لأن فيها الواقدي وهو مطعون فيه، فلا تصح الرواية التي نقلها الزرقاني عن ابن سعد.
فالخلاصة من هذا النقل:
أولاً: أن العلامة الألباني - رحمه الله - له سلف فيما قاله في الرابط الصوتي.
ثانياً: أنه لو قيل بالقول الذي قال به العلامة الألباني فإنه جائز للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.
ثالثاً: أن المسألة تبقى خلافا فقهيا، ولكل قول من الأقوال أدلته التي استدل بها.
والله أعلم.
http://alsaha.fares.net/[email protected]@.1dd3e6b1
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[02 - 07 - 03, 07:45 ص]ـ
قال ابن عبد البر: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه، فأما أن تلقمه المرأة ثديها، فلا ينبغي عند أحد من العلماء.ا. هـ.
هذا القول هو الذي ينبغي أن يقوله العلماء
والأليق بالشيخ الألباني أن يكون تراجع عن القول المرجوح، وخاصة أنه من قديم أقواله التي قالها أثناء وجوده في الشام قبل مجيئه إلينا:)
والقول بأن سهلة أرضعت سالماً مباشرة قول غاية في الشناعة والقبح، ولا أظن أحدا منا يرضاه لنفسه وأهله، فلا ينبغي أن نرضاه لصحابة أجلة.
وإذا كان أبو حذيفة يتغير وجهه من مجرد دخول سالم إلى بيته: فما ظنكم بحاله وقد كشفت امرأته ثديها لسالم ليرضع منه!!!
والله إني لأجل أولئك عن مجرد التفكير به فضلا عن فعله، وإنني لم أكن لأتخيل أن يقول به أحد، وأجد صعوبة وغما كلما أعطيت لنفسي وقتا للتفكير في حصوله.
ما هي الضرورة التي يمكن تخيلها لإرضاع طفل - فضلاً عن رجل - حتى يُرتكب مثل هذا الفعل الشائن المحرم؟؟؟؟
فيمكن للأطفال أن يعيشوا في بيئات تليق بهم، ويمكن للرجال أن يعيشوا وحدهم أو يسافروا، فما هي الضرورة المتخيلة لجعل واحد من المسلمين يرضى أن يلتقم رجل ثدي امرأته ليصير حراما عليها؟؟؟
وقول الشيخ - وسمعي له قديم - إنها حلمة سوداء لا تفتن: يُعرف خطؤه بمجرد سماعه، ومن المعلوم حسا وطبا أن هذه الحلمة من مثيرات الشهوة لدى المرأة إن كانت من رجل - بل وبعضهن من طفل! -
لذا أرى أن نخطئ القول ونعتذر للقائل أفضل من الترقيع له ولقوله.
وجزى الله الأخوين المقبل وزقيل خيراً على تعليقها
وكذا الأخ السائل السلفي
¥