تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تطرح الهوية العلوية نفسها جزءاً من الهوية الكلية للمجتمع والدولة في تركيا، ولذا فهي لا تعتبر نفسها هويةً كلية أو بديلة للهوية العامة أو الهويات الفرعية، وهي لا تُعارض المشروع العلماني من حيث المبدأ. وقد كانت المسألة العلوية من المسائل في السياسة التركية لفترة طويلة، ولم يتكرر ذكرها إلا في سياق توتر العلاقة بين الإسلام والدولة كون ذلك يحيل، حسبما درجت وسائل الإعلام والكتابات السياسية، إلى المسألة المذهبية في تركيا، خصوصاً أن النسيج الإسلامي مكوّن من جماعتين دينيتين رئيستين هما السنة والعلويون. وحتى فترة قريبة، لم يُنظَر إلى الهوية العلوية في تركيا كحالة مذهبية، وإنما كحالة سياسية علمانية، لأن العلويين نشطوا مع الحركة الكمالية في لحظتيها الرئيستين لحظة حرب الاستقلال ولحظة بناء ، وقد أصبح العلويون منذ ذلك الحين مؤيدين شديدي الحماس للعلمانية السياسية. وسبق أن ذكرنا أن الهوية العلوية هي هوية دينية في سياق الإسلام الشيعي، وهذا يُحيل بصورة مباشرة إلى فرضية أو واقع التنافس العلوي السني في تركيا بدلاً من صيغة التنافس أو الصراع العلماني الإسلامي، وهي الصيغة الأكثر شيوعاً، على الرغم من أن الصيغة الثانية تحيل إلى الصيغة الأولى، لدى المتشددين على الأقل. وسيكون من المهم القيام بمراجعة أولية للكلام السابق، ذلك أن الحال تتطلب توسيع قاعدة الهوية ومصادرها فلا تقتصر على الشيعة أو على كون العلوية طريقة صوفية بالأساس تجلت بصور شتى في تركيا وغيرها. إذ تتحدث بعض الدراسات عن أن العلوية تعود إلى أصول ثقافية شامانية ( Shamanism) في البعد أو المعنى الاجتماعي على الأقل، وهو ما هيأ لها الارتباط بأصول مشتركة أو مع الأتراك، وقد ذكرنا سابقاً أن أكثر الجماعة العلوية في تركيا هي من الأتراك. وذهب المنظر القومي التركي ضياء كوك آلب ( Zia Gokalp) (6781 4291) إلى اعتبارها . وقد برزت المسألة العلوية في إطار سياسي وأصبح من الصعب تغيير الصورة، وتتجلى الرؤية الإيديولوجية من خلال الدراسات التركية التي تحدّدها وفق الخطوط العامة التالية:

تأكيد فرادتها في إطار الإسلام أو اعتبارها مدرسة تأويلية وغير معترف بها من قبل المذاهب التقليدية في الإسلام.

تعريفها وتأكيد مطابقتها للعلمانية التركية.

تعريفها كنظام قيم فلسفي إنسي، وإيديولوجيا لا دينية ( Nonreligious)، ببعدها الفلسفي الصوفي، حسبما يفعل الدارسون الإنسيون ( Humanists).

قراءتها قراءة ماركسية وتعريفها بالأبعاد الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية حسبما يفعل الدارسون اليساريون الماركسيون.

الإسلام التركي

ومن الملاحظ الحضور المبالغ فيه للبعد (أو المعنى) السياسي في تحديد هوية من المفترض أن تكون دينية وصوفية بالأساس، ويبدو أن لذلك مبررات تاريخية، لا تخصّ الجذر الثوري للإسلام الشيعي فقط، وإنما أيضاً مبررات تخصّ الأتراك أنفسهم ذلك أن حاجي بكتاش ولي ( Haci Bektaci Vale) الذي تُنسب إلية شريحة كبيرة من العلويين وتُعرف باسم البكتاشية ( Bektasi)، كان قائداً ثورياً، وهو الذي حمى الأتراك من أن يتعربوا ( Arabization) أو أن يصبحوا إيرانيين ( Iranization) وثمة من يعتبره قديساً ومبشراً بالإنسية الدهرية أو العلمانية، وهو ما أعطى طريقته انتشاراً واسعاً من البلقان إلى آسيا الوسطى. وتتعدد الآراء بشأن الهوية العلوية التي تعتبر هوية مركبة متعددة، سواء في بعدها الديني الإسلامي والثقافي الآسيوي الشاماني والدهري أو في بعدها التركي، حسب ما تؤكد الخطابات القومية التركية.

إن الهوية العلوية على الرغم من أبعادها التركية التاريخية، إلا أنها سابقة على التشكل القومي التركي، إذ كان ثمة دين ومجتمع علوي قبل ذلك، كما أن ثمة خصوصية ثقافية للهوية العلوية تميّزها عن الإسلام التقليدي. وقد طوّرت الجماعة العلوية في الأناضول، في بعض الحالات، طقوساً وشعائر وأنماطَ سلوك محلية واعتقادات تتمثل عناصر من أديان وثقافات وحضارات عديدة، وهذا أمر يمكن تفهمه على اعتبار أن الأناضول كانت تتقاطع فيها أديان وثقافات كثيرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير