دون اتفاق وإجماع بين الأنثروبولوجيين والمعنيين بمسألة الأجناس، يصبح تحديد النزعة العنصرية غير دقيق. لقد تطور، وكما أسلفنا، مفهوم هذه النزعة من النموذج النازي، متخذاً ثلاث مقدمات: الأولى الإعلان عن أن الأغلبية من الشعب تتميز عن الأقلية. والثانية عملية عقلنة للتمييز العنصري تتأسس على نظريات التفوق العرقي. أما الثالثة فتبني مقولتها على تحريم الزواج المختلط الذي يفسد الطهارة العرقية للجماعة العرقية المتفوقة المزعومة. لكن هذه الملامح لا تحتاج لأن تظهر في سياسة التمييز العنصري.
إن تضمين هذه الملامح في مفاهيم متعلقة بالعنصرية تهيئ السبل لإخفاء الممارسات العنصرية. وليس هناك اليوم من يبرر اضطهاد أغلبية لأقلية ما. فاللجوء إلى مقولات الدونية الوراثية، أو مخاطر الزواج المختلط، إنما يؤكد تطابق هذا المزاعم من النموذج النازي. فقد كانت محاولات نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تهدف إلى تبرير قوانين الأبارتيد Apartheid بالقول إن نظام الفصل هذا يساهم في تطوير أفضل للسود والبيض على السواء. وتم رفع شعار "إفصل لكن إعدك:. وفي الولايات المتحدة الأميركية تم، ولوقت طويل، تجنب اندماج الطلاب السود والبيض في قاعات الدراسة. وحتى 1970 استبعد اليهود الأثيوبيون من حق الهجرة إلى إسرائيل، بدعوى أن يهوديتهم غير أصلية، كما تم تفعيل قوانين الهجرة البريطانية ضد الآسيويين والعرب. فبعض السياسيين هناك يقولون بعجز "هؤلاء" عن تكيفهم مع الحضارة الجديدة. وبسبب اقتران التمييز العرقي بالإبادة النازية، فإن تهمة التمييز العنصري تم تحريفها بالتظاهر بالدوافع الخيرة للتمييز العنصري.
ويعود اليوم موضوع الإثنية إلى الظهور مجدداً، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، على أيدي عدد من المفكرين والمشتغلين فكرية ما بعد حداثية، والذين ينتمون إلى جماعات إثنية في جرن الانصهاربعد أن تم إدخال واعتماد الإثنية كميدان معرفي جديد في سيرورة السجالات الفكرية التي تسود الولايات المتحدة هذه الأيام.
التعددية الإثنية: إدارة الصراعات وإستراتيجيات التسوية (2)
اكتسبت التعددية الإثنية أهمية خاصة بسبب كونها وراء الصراعات التي تشهدها مجتمعات ودول كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وأدت إلى انهيار دول مثل الصومال وليبيريا، أو إلى حروب طويلة وتغيير أنظمة سياسية في دول مثل الكونغو والسودان ورواندا وبوروندي، أو إلى أزمات وتوترات وانقسامات سياسية مثل إندونيسيا وإسبانيا والولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية.
-اسم الكتاب: التعددية الإثنية: إدارة الصراعات وإستراتيجيات التسوية
-المؤلف: محمد مهدي عاشور
-الطبعة: الأولى 2002
-الناشر: المركز العلمي للدراسات السياسية، الأردن
ويحاول هذا الكتاب الإحاطة بأبعاد العلاقة بين التعددية الإثنية والنظام السياسي والتحقق من مجموعة من الأفكار والافتراضات في هذا المجال، مثل العلاقة بين مطالب الجماعات الإثنية وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. كما يعرف الإثنية واتجاهات تحليلها ومطالب الجماعات الإثنية وألوياتها والمسار الذي تتخذه، ويعرض إستراتيجيات إدارة التعددية الإثنية ومؤسساتها وسياساتها.
مفاهيم
الإثنية هي ظاهرة تاريخية تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين.
الإثنية هي ظاهرة تاريخية تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين
والعرقية تختلف عن الإثنية في أنها قائمة على الأصل السلالي أو العرقي المشترك، فهي تعبر عن شعب أو قبيلة بغض النظر عن الثقافة والمعتقدات.
والأمة ظاهرة اجتماعية تعبر عن جماعة تشترك في سمات جامعة كالدين والعرق واللغة والتاريخ والثقافة سواء كانت في إقليم واحد أو عدة أقاليم، ومفهوم الأمة هو الأكثر قربا وتشابها مع مفهوم الإثنية.
والقومية تعبر عن جماعة قائمة على المكان، ومن معانيها أنها حركة سياسية تستهدف قيام كيان سياسي (دولة) فالقومية حركة سياسية والأمة كيان اجتماعي.
تصنيف وتحليل
¥