تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أي سماء تظلني, وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن برأي أو قلت فيه بما لا أعلم) () وورد عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مثل هذا في تساؤله عن معنى (الأب) , أما في المرفوع من الحديث فلا يصح, وهو ما رواه الترمذي وأبو داود عن جندب بن عبد الله مرفوعا:

(من قال في كتاب الله عز وجل برأيه, فأصاب فقد أخطأ) () وفي سنده سهيل بن أبي حازم, لا يحتج به. وعن ابن عباس مرفوعا, (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ().

وفي رواية أخرى عنه (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم, فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار, ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) ().رواه أحمد في المسند والترمذي, ومداره على عبد الأعلى بن عامر الثعلبي وهو ضعيف. ومزاولة أبي البيض هذا النوع من التفسير بالرأي المذموم كثير في كلامه, بل إنه أملى في منفاه تفسيرا من سورة البقرة إلى سورة الناس, سماه (الإقليد, في تنزيل كتاب الله على أهل التقليد) في مجلدين ما زالا مخطوطا, ومنهجه أنه ما مر بآية في ذم المشركين والصابئين وأهل الكتاب والمنافقين إلا وأنزلها على المقلدين من المسلمين دون تمييز ولا تفصيل, في أسلوب مشعر بأنهم المراد لا غيرهم, والتقليد المبتدع ما اتصف به فريق من الفقهاء المتعصبين, لا التقليد كله, لأنه معلوم أنه لا مفر منه للعوام وأشباههم مِن مَن لا دراية لهم ولا فهم, ولست في حاجة إلى التمثيل, فإنه كما قلت تنزيل للقرآن الكريم على الأبرياء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وفيهم من يعدهم أبو البيض أولياء عارفين صالحين, وإن أنكر كونهم مقلدة, وهو بذلك يحاول ستر الشمس بالغربال, والكتاب الآخر الذي تورط فيه في هذا الخبل هو (مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية) وهو مطبوع, وقد ملأه بالأحاديث الواهية والموضوعة, يوردها أحيانا بأسانيدها ويسكت, وهو يعلم أنها كذب, وهو بذلك داخل في وعيد حديث (من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْنِ) وحديث (إن كذبا عَلَيَّ ليس ككذب على أحد, فمن كذب علي فليرد النار) والحديثان صحيحان. وقد انفرد أبو البيض بقاعدة أصَّلَها في مصطلح الحديث لا علم للناس بها, وهو مجتهد في كل شيء, حتى في اللغة, والقاعدة أن الحديث إذا أورد مطابقا للواقع فهو صحيح بقطع النظر عن سنده, وقد تبعه على هذه القاعدة الغمارية شقيقه أبو العسر, فإنه كان مهووسا بهذا النوع من أحاديث الملاحم وأشراط الساعة. وقد أورد أبو البيض طائفة من الآيات, زعم أنها مطابقة لما ظهر في هذا الوقت من المخترعات, كالطائرة والغواصات, والسيارات والقطارات, والدراجات والقنابل الذرية, والتلغراف والتليفون إلخ, يصرح في أثناء ذلك بأن المعنى الذي فسرها به هو الصحيح الواقع, ومن زعم غيره من مفسري السلف فهو جاهل معذور, وقد استولى عليه هذا الفهم, وولع به حتى انتهى به المطاف إلى الافتيات على الله, والحلف على مراده, وقال في قوله تعالى من سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة:8) إلى قوله (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: من الآية20) بعد أن أورد وجوها عدة في ترجيح ما رآه وَحْدَهُ صوابا, وهو أن المراد بهذه الآيات كلِّها العصريون الحزبيون عموما, والاستقلاليون والإصلاحيون بالمغرب خصوصا, لِما كان بينه وبينهم من عداء مستحكم, حمله على تسمية جمال عبد الناصر وعلال الفاسي في طبعته الأولى, زاعما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بمدح جمال وذم علال, وأورد في تفسير الآية عن سلمان الفارسي أثرا لا يصح, أن أهل هذه الآية لم يأتوا بعد, وهو مسبوق بهذا النقل, وما ترتب عليه من فهم من عدوه اللدود, يوسف النبهاني فإنه أشار إلى ذلك في شرحه لرائيته الصغرى المطبوعة ضمن ديوانه, كما أن احتجاجه بتلك الآية لم يكن من استنباطه, بل سبقه إليه شقيقه الشيخ الزمزمي في رسالته المخطوطة (كشاف الأخدان عما في القرآن من أمور ظهرت في هذا الزمان). وقد قرأها أبو البيض وسطا على ما فيها مزاعم حول تلك الآية وكتب عليها بخطه, وقال بعد هذا كله صفحة (70) من المطابقة:

(أما منافقوا زمانه صلى الله عليه وسلم فلم يحصل منهم فساد في البقعة الصغيرة, التي كانوا بها مطلقا, فضلا عن أن يحصل منهم في الأرض, بل ما صدر منهم مما يسمى فسادا في الأرض مقدار شعرة بالنسبة لثور مما صدر من هؤلاء, بل لم يصدر من أولئك فساد أصلا, إلا ما كان في نفوسهم من الكفر الحاصل عليهم, وهو النفاق فكيف يمكن حمل الآية عليهم وهم أبرياء منها!!).

تأمل هذا الكلام الذي يتضمن تكذيبا غير مباشر لله تعالى, وتحديا للقرآن الذي لاحق المنافقين في عشرات الآيات, ثم قال أبو البيض:

(فأقسم بالله تعالى أن الله تعالى ما أراد بالآيات الكريمات إلا هؤلاء المارقين, وأنه لو رآهم المفسرون من السلف, لقطعوا بذلك, ورجعوا عن تنزيلهم الآيات على منافقي عصر النبي صلى الله عليه وسلم) اهـ

وأذكر هنا ما اتفق لي حول هذا الموقف مع شيخنا الإمام المجدد بحق لعلوم الحديث والأثر, أبي عبد الرحمن محمد ناصر الألباني رحمه الله, حيث زرته للمرة الأولى بمنزله بالمدينة النبوية عام 1382 هـ ,فذاكرني في موضوع أبي البيض وتآليفه, وكتابه (المطابقات) واستنكر ما ارتكبه فيه من مصائب, منها تسمية جمال وعلال, والزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه, ومنها وهو أكبرها إقسام أبي البيض على مراد الله تعالى, فليت شعري, هل أوحي إليه بذلك؟!

فأجبته وأنا مستغرب غاية: بأن ذلك كان من رد الجميل للعسكر بمصر, فقال الشيخ: (وهل يكون رد الجميل على حساب القرآن والحديث؟!) فأمسكت ولم أحر جوابا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير